تشكيلات في مديح ريحانة الأنس - علاء الدين عبد المولى

(1)‏
أنا لا أقرأ ما يكتبه الضَّوءُ، ولكن‏
ما يسمّيه الظَّلامْ‏
لا، ولا أدخلُ باباً مُشْرَعاً،‏
بل كنتُ أختارُ الّذي اسْتُغِلقَ‏
واستعصى على تأويلِ رُبّان المنامْ‏
لا أرى فيما أرى ظلاًّ لروح الكونِ،‏
أو ماءً من اللّوز المصفَّى‏
عالمٌ يمتدُّ في الشِّرحِ،‏
ولي آيةُ أنْ أقْرِنَ بالغامضِ واللاَّمنتهي‏
روحَ الكلامْ‏
أنا لا ألتحفُ المرأةَ إذْ تسكبُ من أكمامها‏
صبّار ألواحِ الوصايا‏
إنّني جمهورُ آثامٍ وميراثٌ من اللَّعْنات،‏
مطرودٌ من الضّوء إلى ظلِّ المرايا‏
لأرى روحي معرّاةً من الأسماءِ،‏
والذّاكرة الخضراء نسياناً،‏
أرى نبض دمي يصعدُ معراجَ الخطايا‏
خلف مهرٍ فوقه الأنثى الحرامْ.‏
(2)‏
أجد الأنثى كما كانت تكونْ:‏
فكرةً تنمو على الجدرانِ،‏
أو في شفَقِ يختزلُ الحزنَ،‏
وقد تمتدّ كالأعشابِ بين الحَجرِ المعزولِ،‏
أو تسقطُ في قلب كتابٍ لم تردّده شفاهْ‏
أجد الأنثى كما كانتْ...‏
إذا داعَبَها الشّعرُ أتتْ تسبقها الألغازُ‏
والموت المجازيُّ‏
وإيقاعٌ حجازيُّ الرَّحيلْ‏
هي:‏
نومٌ أخضرٌ في عتمة المنفى‏
وحلمٌ أزرقٌ صيفاً‏
رماديٌّ شتاءً‏
أسودٌ في آخر العمرِ‏
نبيذيٌّ إذا ما اشتعل القلبُ صقيعاً...‏
أجد الأنثى... رميتُ البحر في أعتابها‏
يغرق في أمواجها زورقُ وقتي‏
فأشدّ الرّيح نحوي‏
أحتمي بالأبيض الهائج في سرَّتها‏
باللّؤلؤ المكنونِ في صَدْفتها...‏
(3)‏
أجد الأنثى كما كانت تكونْ:‏
جرَّةُ الغيمِ على راحتها مالتْ إلى العشبِ‏
ونهداها اكتنازُ اللّحم بالعطرِ‏
وما بينهما أرضٌ جديدهْ‏
أحتفي فيها بصوتي خارجاً من قمقمٍ في البحر‏
تدعوني وتُهديني مفاتيحَ المغاراتِ البعيدَهْ‏
أجدُ الأنثى على أُهْبةِ عينيها‏
بعيدٌ في مراميها كلامي‏
وقريبٌ من شذاها نحلُ قلبي‏
تلك ظلٌّ لضلوعي‏
تلك ضلع من ظلالي‏
أجد الأنثى بأوتارِ دمي انشدَّتْ‏
وأدَّتْ فرضَها الخمريَّ‏
واصطادَتْ من المطلقِ أسرابَ اللآلي‏
ورمتني بجنودٍ من خيالِ...‏
(4)‏
أجد الأنثى كما كانت تكونْ:‏
فوق زنديها حريرُ الضَّوء ملقى‏
دَرَجُ الفضّة والعطرِ، طراواتٌ، نداواتٌ،‏
حماماتٌ مع الأبيض ترقى‏
في الظّهيرات الّتي تهبط من نار شفاهي‏
شهوتي أم وقفتي في بابها طالَتْ؟‏
أزالَتْ عن ثمار الجنسِ سور الجسدِ المُحْكَمِ‏
أمْ آدمُ من عنْقي تدلَّى‏
جائعاً يجتاحُ أطباق الإلهِ...‏
(5)‏
أجد الأنثى...‏
نزولُ القَلْب من سلَّمه اللّيليِّ نحو الفجرِ‏
ها قد طلعَ الفجرُ علينا من قرى هاجعةٍ‏
أو مدنٍ ترشقُ غيماً فوق إنشاد المآذنْ‏
فَلَقَ الكونُ ينابيعَ من النّورِ أراقَتْ فوق جسمي‏
خَدَرَ اللّذّةِ جنسيّاً، قَشَرْتُ الفستقَ الطَّازج،‏
كانت نسماتٌ من رحيقِ الخبز تدنو من مسامي‏
عندما بالنّور أحرقتُ شفاهاً في حبورٍ لامسَتْ‏
برعمَ شهواتٍ... وكان المشهدُ السّاحرُ:‏
عُبّادٌ يقيمون الصَّلاهْ‏
وأنا أمتلكُ الأنثى وأُنسى بين موتٍ وحياهْ...‏
(6)‏
أجدُ الأنثى كما كانتْ تكونْ:‏
هذه ريحانةُ الأنْسِ‏
وتلويحٌ بأيدي النّهر للشّمس‏
مناراتٌ لأربابِ البحار الموحشَهْ‏
هذه ياقوتةٌ ترصدُ بوحاً من ضياءِ‏
كنت أفضيتُ إليها مدنفاً،‏
تأكلُ عينايَ المداراتِ إلى معبدها‏
كنت ألقيتُ حواليها أغانيَّ‏
وأغدقتُ على خلوتها وحيَ مزاميري‏
فحنّتْ، ثمّ غنّتْ نغماً فوق الغناءِ‏
تلك من أفنيتُ هذا الصّيفَ في تشكيلها‏
أسقي يديها قُبلاتي‏
وإذا لم تمتثل أبكي،‏
ومَنْ كُرمى لنهديها تعلّمتُ من النَّاي شروداً‏
خلف قُطْعان الهيامْ‏
ولإشراقاتها المُثلى على الوجدانِ‏
عبّأتُ وريدي برنين الشَّهواتِ‏
هي من تمضي لأمضي‏
وهي من تأتي لآتي...‏
(7)‏
أجد الأنثى... بها أوصلْتُ أشتاتي إلى مُطْلَقها‏
ولها ولّهتُ أَعْماقي بفردوس السّلامْ‏
هي من تبدأُ بي أيّامَها الأولى‏
وتصطافُ على نهرِ الختامْ‏
هي من أوغلتُ في سرد تفاصيلِ معانيها...‏
أأُخفي بَرْقَ أهوائي إذا عرَّيتُها؟‏
كيف أستثني من الرّقص ولو ضلعاً يتيماً فيَّ؟‏
كيف الرّوح لا تَعْرى وتغدو جسداً؟‏
هكذا أيَّتها الأرضُ أسمّي باسمها،‏
يرفعني الحبُّ، جناحاه يداها‏
والمسافات رؤاها‏
طائرٌ فيها من الخصرِ إلى السِّحرِ‏
من الإعلان للسّرِّ‏
تغطّيني بهَمْس عسليٍّ‏
وتباهي أنّها من نسلِ أنثى ساحَرهْ‏
فأراها أطلعتْ من حجرِ الرّوحِ زهوراً ومياها‏
وأراها تحت جلدي نُقِشَت‏
مثلما يُنقَش اسمٌ في خلود الذّاكرهْ...‏
___________
بين /3/ و/11/ أيلول/ 1995‏