باب للوجد، قلب من جحـيم - علاء الدين عبد المولى

(مهداة إلى الشاعر الصديق: عبد الكريم الناعم.
وحده الشاعر يعرف لماذا يصاب شاعر بالذبحة الـ... شعرية.)
***
مرةً ثانيةً أسبلُ أهدابي على جرحكَ،
يامولى الجهات الهائماتْ
قلقٌ مشترَكٌ نرصدُه من مئذنات الشِّعر،
مَن هبَّ من اللَّوعة؟ وانصبَّ
كما الشَّمعة في ابريق ليلٍ ساهرٍ بين
عذارى الكلماتْ؟
كيف قنديلٌ رمتْه الرّيحُ؟
كيف المركبُ النَّشوانُ مخذولاً من الأمواج؟
كيف الزَّهرةُ البيضاءُ ملقاةً على ضفَّة خمرٍ؟
هكذا قلبكَ.. نايٌ ثقَّبتها أغنياتُ الوجد...
ياعازفُ رفقا
رقرقِ الايقاع أنقى
هوذا الشّاعر محمولاً على كفّ الشّتاءْ
جسداً محتشداً بالكونِ،
عيناهُ على العتْمة شرفاتُ ضياءْ
حوله عائلةٌ يجمعها ليلُ ابتهالٍ ودعاءْ:
يا إله الفرح الزّائل،
ذاب الوالدُ الطَّافح عشقا
هطلتْ من شفتيه قطراتٌ من رحيقٍ
ونمتْ في عنقه الصّاعد أمداءُ بريقٍ كنَّ زرقا
واناثُ الشّعر من أجفانه يبنين أفقا...
آه ياقاذفَ طينِ الضَّعف في جرّة آدمْ
أيّ قلبٍ يكنزُ العالمَ فيه ثمّ لاينتابهُ الشَّرخُ؟
هو الشّعرُ حوارٌ يتناغَمْ
دائراً بين قبابِ الزّرقة العُليا،
انسجامٌ وانفصامٌ، غليانٌ عليانٌ،
أفُقٌ يصغُر، أو برعمٌ نور يتعاظَمْ
آه ياقاذفَ طين الضّعف في جرّة آدمْ....
جمعَ الشّاعرُ أطرافَ الخِيامْ
غَجرٌ في صوتِه يرتحلونْ
جسدٌ يغريهِ خلْفَ الحجُب الأولى عراءٌ وهيامْ
رقّصتْهُ امرأةُ السّحر بنهديها،
تعاطَتْ معه الاشعاعَ في مهد السّلامْ
عندما كوّر من سرَّتها كوزَ حنانٍ
مالت المرأةُ،
مالتْ معها الأرضُ،
استفاقَ الثّمر النَّائمُ في روحين من ماءٍ،
وقامت لغةُ الخَلْق على عرش الكلامْ
جمع الشَّاعر أطرافَ الخيامْ
عندما بعثَرهُ الوقتُ شعوباً من غجَرْ
شفَّ في عينيه قنديلُ القَمَرْ
سهرتْ في راحتيه الرِّيحُ،
كانَتْ من جنوب القَلْب تأتي،
وعلى أقصى الشّرايين تسدّ الأفْقَ،
فليكمل اذاً بالألقِ الباقي مداراتِ السَّفَرْ
شاعرٌ يسمع قول الصّمت، والرّحلة طالتْ
بعد أن يتركَهُ الجمع، لمن يستندُ المفْرَدُ؟
كم شال على أكتافه صلبانَ أكوانٍ، وشالتْ
قدماهُ رمْلَ هجراتٍ، وأحلامَ ترابٍ،
وخطىً ضاقَتْ بها الأرضُ... فَمنْ أوسَعُ:
ماضٍ يتداعى في حَجَرْ
أم غدٌ لم يَبقَ منهُ غيرُ أشباحِ صُوَرْ...
نحنُ ياعبدَ الكريمْ
بابُ وجدٍ، أم جحيمْ؟
نحن ياناعمُ مأساةٌ على لوح النَّعيمْ
أُلفةٌ أم هجرةٌ؟
جمعتْنا الأرضُ أم شرَّدنا الايقاعُ في صحرائه؟
... شُدَّ الوَتَرْ
نحن بدوٌ وحَضَرْ
ظاهرٌ نبطنُه، أو باطنٌ فينا ظَهَرْ
كلَّما ملْنا رموزاً نحو صَفْو الكَأْسِ
طالَ الشّرحُ والكأسُ انكسَرْ
ننحني في قُبلة العاشقة السَّمراء،
في أضلاعنا انشقّ القمَرْ
دخلتْ بستانَنا الرّوحيَّ أفواجُ الدَّراويشِ،
وعُبَّادُ الجمال المدَّخَرْ
فاذا مااكتشفَ العاشقُ في البستان
أنَّ الدَّمعَ تفّاحٌ،
وأنّ الكرَزَ السّرّيَّ قد أُنشئَ
في هيئةِ نَزْفٍ قُرْبَ رمّانٍ
سفَحْنا العُمرَ في نظْم لآليه،
فلمّا كاد أن.. صارَ حَجَرْ؟
كيف للعاشق أن يكتملَ البستان في عينيهِ
والبستانُ حلْمٌ قد عَبَرْ....
ما الّذي يسكبُ فينا ياصديقي عسلَ الشّعرِ،
وهذا عالمٌ مشتعل الأيدي،
ونحلُ الحب يذوي في الخريفْ؟
مَا الّذي يجعل قلباً شقّه
ملكُ الخصبِ، ليستولدَ منهُ زهرةَ اللّوتَسِ،
منصوباً كما خيمة نارٍ
هكذا ينتقلُ الوجهُ، وروحٌ يتحوَّلْ
هكذا يصبحُ أجَملْ
أن يضيقَ الكونُ، أن تتّسع الرّؤيةُ،
اذ نوديتَ من أنثى الجبالْ:
كنْ على هامتها الزّرقاء مشعَلْ
فليكنْ، لو سقطَ العالَمُ، أن نمضي إلى ظلٍّ
قريبٍ أوبعيدٍ،
لنعيدَ الرّقص من أوَّله،
ولنرفع الجَمْرة في أحداقنا
من خوابينا لنملأْ بضعَ أقداحٍ لأنثى الشّعر
في مائدة الحزن العظيمْ...
... ... ...
يا أميرَ الخرابْ
نحن نسلُ التّرابْ
أفقٌ من أصابعنا، وسحابْ
في ضمائرنا
لانُسمّى، وفينا دليلُ الكلامْ
والقصيدةُ ساحرةٌ تتمايل خلفَ نوافذنا
سوف نصطادُها
سوف نقتادُها نحو عشبِ المنامْ
ونضيء لها نارنا
ونغنّي لها من غرام اللّهيب مقام النَّوى
ثمّ نسكنُ في ظلِها وننامْ
بينما سوف تَروى الأنام.
عن قصائدنا
سيرةً للهوى...
_____________
23-25/11/1996