النشيد العالي - علاء الدين عبد المولى

إلى نجمي العالي رفعتُ غنائيا
وضيّعتُ في ليل الرَّماد جهاتيا

لأنَّ دماً يغلي تسيلُ قصائدي
سأُلبِسُ هذا الكونَ ثوب دمائيا

جنونٌ تولاَّني... إلى أيّ وجهةٍ
سأمضي بقلبي مستفيضاً، وعاريا؟

لقلبيَ هذا الأفْقُ يسجُد خاشعاً
وما كان يدري أيّ إثمٍ طوانيا

صَلبتُ على سور المباهج هيكلي
أحدّق فيه وهْو يذهب عاليا

من الأزل القُّدوس أهوى مضرَّجاً
بمسكِ العذارى رائحاتٍ غواديا

من الأَولِ القُّدوس أسألهنَّ: هلْ
بنيتُ على أطيافهنَّ سمائيا؟

أنا سكْرةُ العمق القصيِّ، وشهقةُ
الفضاءِ البهيِّ المستفيض أغانيا

أهيمُ بذات السّرِّ تكشفُ سرَّها
لذات التَّجلِّي حين تشرق ذاتيا

أنا ملأُ العشّاقِ، ضاء بيَ المدى
وما زلتُ منذ البدءِ أجهل مابيا...

وبي عالَمٌ لو باح شعري بسرِّهِ
قذفتُ بهذا الكونٍ جَهْراً ورائيا

وبي لغةُ أتلفْتُ قلبي بنَحْتِها
فانْ سُرِقَتْ منّي، فيا حالَ حاليا

سأفنى وغيمُ الشعر يمطرُ من دمي
ولو شئتُ أغرقتُ الفناء أغانيا

أنا داخلٌ في سِفْر مأساةِ عالمٍ
يهشّم حلمَ الكائناتِ أماميا

فتمتلئُ الرُّؤيا دخاناً ملَّوثاً
لتسكبه الأشباحُ بين رئاتيا

سأسقطُ حتَّى لا قرار يضُّمني
وقد ملأ الرّعبُ العظيمُ قراريا

بأيِّ لغاتٍ القلبْ أردمُ هوَّتي
وكل لغات القلب صارت مهاويا؟

صغيرةُ يا فَجْرَ النَّدى متصاعداً
أأنتِ منامُ الوردِ يغشى اللَّياليا؟

أمنذُ زمانٍ أنتِ تلقين في يدي
من الحبقِ القدسيِّ ما قَدْ سما بِيا؟

لماذا إذاً هذا الجفافُ يشلُّني
كأنَّ فؤادي يستطيبُ جفافيا

خذينيَ قَبْلَ الموتُ يغتالُ صبوتي
وينثرُ في وادي الجحيم رماديا

فانْ أخَّرتْكِ الرِّيحُ عنِّي فإننَّي
أؤخّرُ كفَّ الموتِ عنِّي ثوانيا

إلى أن تقومي من مقامكِ فجأةً
وقد أيقظَ الأعماقَ منكِ ندائيا

وإن جئتِ والموتُ المقيمُ يلفُّني
فحُلاّ بأعصاب الرَّدى وخّذانيا...

أقول وظلُّ الموت يطغى على دمي
كفانيَ قهراً يا زمانُ.... كفانيا

"ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
بجَنْبِ "النّدى الُعلْوي أتلو صلاتيا؟

"تذكَّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلَمْ أجدْ
سوى" الحَبَقِ القدسيِّ والحيِّ باكيا

يخيِّم أهلُ العشقِ في كلِّ ليلةٍ
وما زلتُ فوقَ الرِّيحِ أبني خِياميا

أسافرُ في أفْق الضَّلال مشرَّداً
فهل بالغٌ بعدَ التّشّردِ واديا؟؟؟

أوجِّهُ للرَّيحانِ وجهيَ مازجاً
به رئتي، أو مالئاً منهُ راحيا

وأقرأ فيه اسمَ الحبيبة واضحاً
وضوحَ غموضِ الزَّهر إنْ كانَ صاحيا

هي الجَسَدُ المقروءُ جَهْراً وخِفْيةً
أصلِّيهِ، إذْ في العُرْي كان إماميا

يسبِّحُ بالنَّهدَيْن كفِّيَ مؤمناً
بعرشهما ينهارُ بين شفاهيا

ويسقطُ مغشيّاً عليه، أما الَّذي
سأَصليهِ في يوم التَّجانُسِ ناريا

كواكبُهُ دارَتْ وثارَتْ وجاوَرَتْ
مدايَ، وكانَ الجنسُ سحْرَ مداريا

هو الجسدُ النَّديانُ إثماً وعفّةٍ
سأطفئُ في فخْذيهِ شَمْسَ عفافيَا

لبستُ له خُفّاً من النُّور بعدما
مشيتُ على جَمْرِ القصائدِ حافيا

وطْرتُ، فطارَ الكونُ خلفي مولَّهاً
وظلَّ نشيدي مثلما كانَ... عاليا...

_________

11/8/1992