أنثى تسهر في نجمة الإيقاع - علاء الدين عبد المولى

ما الّذي يفصِلُ عنّي نجمةَ اللّيلِ‏
وقد ألبسْتُها ثوباً من الفضَّةِ‏
أطلقتُ على أقدامها نهراً حليبيّاً‏
وأسدلتُ على النَّهدينِ دمع الياسمينْ‏
ما الَّذي يفصلُها؟‏
حتّى إذا أغلقتُ شبَّاكي أشعَّت من بعيدٍ‏
زيَّنتْهُ بالمرايا البيض تنمو حولها‏
بضعُ ظلالٍ لوجوه الرَّاحلينْ‏
ادخلي... غرفةُ أضلاعي قناديلُ من الرأفةِ في جدرانِها‏
مسقوفةٌ بالحبِّ مرفوعاً إلى الأفق الَّذي‏
لا ينتهي فيه سجودُ العاشقينْ‏
هاهنا مهدٌ على أطرافه نامَتْ سماواتٌ‏
وفي أعماقهِ نافورةٌ تلقي مناماتٍ‏
فيسترخي نعاسٌ‏
وملاكُ النَّوم يهوي في عروقِ السَّاهرينْ‏
ادخلي، ساحرتي أنتِ،‏
ولكنِّي بفعل الشّعرِ أغويكِ بأسماءَ وأسماءَ‏
لتختاري أخيراً شفةً طيِّعَةً كانت صدى‏
والآن صارتْ ـ هي والرّيحِ ـ تغطّي ما تعرّى‏
من ثقوب الوجدِ في النَّاي الحزينْ‏
أنتِ من ضوءٍ إلهيٍّ ترابيٍّ‏
وهذا جسدي اللّيليُّ يمشي في خطا‏
الّلؤلؤ والمرجان والياقوتِ‏
في رحلة إشراق مبينْ‏
رتِّلي عريكِ في غيبوبتي‏
الأجفانُ خيطانٌ تشدّ الأُفُقَ العالي‏
وترخيه على بركانِ صمتٍ‏
تسمع النّبضةُ فيه نفسَها،‏
والرّوحُ يستهدي ويهدي التّائهينْ‏
نجمتي يا نجمتي... هيَّأتُ كل الكأس‏
حتَّى فاضَ من أطرافيَ الخمرُ،‏
وماعادَ لساني غيرَ عنقودٍ غزاه خَدَرٌ‏
والرّأسُ أنهى رقصَهُ في قمّة البرجِ‏
وأغفى فوق صدري يستكينْ‏
احمليني احملينْ‏
زمِّليني بشعاعاتِ الحنينْ‏
مريميّاتُ الهوى أسكرنني‏
أطعمنني خبزَ الجوى‏
خيَّمَنَ تحت الجلدِ يـقرعن بناقوسِ النَّوى‏
يا نجمتي مالي سوى‏
أنّي على هذا الهوى‏
بالموتِ حبّاً أستعينْ...‏
جاثمٌ في معبد الحنطيّةِ الحُزْنِ‏
كطقسٍ فاجأتْ خلوتَهُ الأمطارُ...‏
مَنْ قالَ عن البردِ؟‏
أنا بئرٌ من النَّار‏
فأدلي فيَّ يا نجمةَ برج الحَملِ الآمنِ‏
واسقي الظّامئينْ‏
أنتِ يا نجمة، بعدَ القدح الأوَّل والعاشر،‏
غزوٌ أنثويٌّ،‏
ها أنا عارٍ كما القلعة في وجه رياحٍ‏
فتحتْ أبوابَها، فامتلأ الميدانُ بالرَّقص الجنونيِّ،‏
وعاد الذَّكرُ الرّاحلُ يُسقى من فمِ الأنثى‏
(خمورَ الأندرينْ)‏
ويغنّي: أيّها الحبّ لك الحمدُ إلى يوم نشور الميّتينْ‏
فعلى سوركِ علَّقْنا ليالينا وأكملنا أغانينا‏
ورقَّصْنا أعالينا، ونمنا، بالمدى ممتلئينْ...‏
... ... ...‏
ما الَّذي يفصلُ عنّي نجمة اللَّيلِ؟‏
هي الأنثى الّتي تصهل في اللاّمنتهي‏
كم أشتهي أن أنتهي‏
ثمّ أعيد العمرَ من خطوتهِ الأولى‏
لأنمو في يديها كلَّ حينْ‏
آه كم حنجرتي تسكبُ أشعاراً لديها‏
كلَّما أنهيتُ إيقاعاً،‏
تفتَّحتُ كَينبوع من الشَّهوةِ...‏
في الأعماقِ بحرٌ لا يسمَّى‏
أنتِ فيه السَّفَرُ الأطولُ‏
أنتِ الجهةُ الأجملُ‏
والبوصلة الأَمثَلُ‏
تيهي بي، ومن بَعْدِكِ فليبتدئ الطّوفانُ...‏
وليغمرْ جموعَ اليائسينْ‏
أنا‏
والنَّجمة والإيقاع والأنثى‏
تعاهدنا على إخصابِ أرضِ العالمينْ...
____________
15/نيسان/1995‏