المشهد - علاء الدين عبد المولى

في ليلة الميلاد صلَّينا معاً...‏
أنثاي -يا مولاي- بين يديكَ تكبرُ في الطَّبيعةِ،‏
كيف تُسقى شمعةٌ من دمعةٍ،‏
وأنا أنضِّدُ تحت صمتي لؤلؤَ الكشفِ الشَّفيفْ.‏
ذهبتْ بنا الظّلُماتُ،‏
كم تعلو بنا الأجراسُ؟‏
ياقدّوس يا قدّيس يا قدّاسُ...‏
تفرَغُ من ندانا الكاسُ‏
نرميها إذاً؟‏
أم نسكب النّجمَ المجسَّدَ في قرارتها‏
لتطفو شهوةٌ تصحو بها الأعراسُ؟‏
يا أجراسُ يا أجراسُ‏
دُقِّي فضّةَ الإيقاع والحزنَ الثَّقيلَ،‏
أموت أم أحيا؟‏
هي الأحلام رهنُ حجارةٍ زرقاء يرفعُها ابتهالُ التَّائبينْ‏
يأتون في سَكَرٍ وأنوارٍ تهيِّمُهُمْ كشوفات اليقينْ‏
هل بينهم عذراءُ تبني معبدَ الذّكرى وتدعوني لكرسيّ اعترافْ‏
فأرى ضلوعي حولها التّفتْ لترفعها على فرس انخطافْ...‏
أنا ساهرٌ في كَرْم غيبتها‏
نواطيرُ الثّلوج معي‏
و(بيَّاعُ الخواتم) والخوابي كم تأخَّر...‏
علَّه لم يبصرِ النّيران بين يديَّ؟‏
مَنْ سدَّ الطَّريقَ عليه؟‏
من أغراه بالنَّوم المجنَّح خلفَ أسوار الصَّدى؟‏
رشَّ الصّقيعَ على أصابعه، ارتدى‏
صمتاً جليلاً واختفى‏
لم يبق منه غيرُ رائحة البرودة في المدى...‏
مولاي احبس لي حبيبي، بُلَّ قُمصانَ النَّدى‏
من نهر رجليه الخصيبِ‏
قلبي يراقبُ من منارته حبيبي‏
قد يراه مزنَّرا بإزارِ حلْم قرب مرآةٍ‏
وقد كشف البياضُ رموزَهُ‏
ولقد رآهُ‏
يلدُ الجمالَ بمنتهاهُ‏
يلقي عبيرَ الياسمين على عبِادِ القَلْبِ،‏
يعتصرون أثداءَ الجرار البابليَّهْ‏
ولقد رآه قابَ قوسٍ من شذى جنسٍ يغاوي النَّحلَ من أعلى مداهُ‏
كشفٌ وخوفٌ،‏
حلْقةٌ في خلوةٍ مالَتْ بها أقمارنا النَّشوى‏
لكلٍّ، من حدائقه، نصيبُ‏
لطفٌ ورشفٌ، والغريبُ هنا حبيبُ‏
منذا يذيبُ حلاوةً في حَلْق حاضنِهِ؟‏
ومن، وجداً، يذوبُ؟...‏
... ... ...‏
والآن، والأجراس عاليةٌ،‏
وأعناقٌ يزيّنُها بريقٌ يخطفُ الأبصارَ وهْي وراء لذّتها‏
تلوبُ‏
الآن، والأحزانُ تجدلُ في قرى الأقداس عقداً‏
حول عُنْقِ المجدليَّهْ‏
وخروفُ فادينا يهلِّلُ لانبعاثِ الروّح في أرض شقيَّهْ‏
الآن أين تبيتُ أنثايَ البهيَّهْ؟‏
أتبيتُ في برج الحَمَلْ؟‏
أتبيتُ في كوز العَسَلْ؟‏
أتبيتُ في ماذا؟ وهَلْ؟‏
... ... ...‏
ماذا يقالُ لوردةٍ تُركَتْ هناكْ‏
دارت على جَمْع الضّيوف بخمرةِ الميلادِ والحلوى،‏
وعطر شبَّ في قلبي صداهْ‏
أنتِ العروسُ -يقالُ- خصركِ كاملٌ أو مائلٌ‏
ويداكِ إنجيلا زهورٍ قرب محراب المياهْ‏
أو: زينةُ الفتياتِ أنتِ -يقالُ-‏
ماذا بعدُ تنتظرين؟ والنِّسيانُ يأكلُ خبزَنا؟...‏
... ... ...‏
دوري عليهمْ يا أميرةَ خصبنا‏
محروسةً من أعين الأشباح، حانيةً على سرٍّ نربيّه معاً‏
لو تهمسين بخطوةٍ أو زهرةٍ أو قُبلةٍ‏
طرَّزتُ كفَّكِ من حنينِ لهيبها...‏
لا تهمسي‏
أنتِ البعيدة والأخيرة والشهيدة والمنيرَهْ‏
أنت الجوابُ على سؤال الصَّيف والأمطارِ‏
أنتِ خواتمُ الأشعارِ،‏
تغتسلين ليل العيد بالأنوارِ ترتشفين خابية الحنينْ‏
وتباركين على المدى قلبي،‏
خذي جَمْعي وإفرادي، فأنتِ:‏
وحيدتي وغريبتي وكثيرتي وقليلتي‏
وسنابلٌ بالحُبِّ تنمو،‏
كلُّ سنبلةٍ ضريحٌ عاشقٌ في مشهد الرّؤيا البصيرَهْ‏
هل ترفعين قباب روحَينْا،‏
تشدّين الحبالَ على دمي لترنَّ أجراسٌ‏
وينهض من دماري‏
طفلٌ صغيرٌ كان يُحْيي زهرةَ الموتى ويشعلُ في عظام الأمهَّات شموس نارِ‏
أنا ذلك الطّفلُ الشَّريدُ عن المغارةِ والبتول، أنا بقاياهُ،‏
ووارثُ نَزْفِهِ الأزليّ، يرفعني إلهٌ‏
حين تشكرني جباهٌ فوقها ذهبُ الغبارِ‏
هل تأخذين يديَّ من حجرٍ؟‏
فهذا بيتُ لحمي عامرٌ بالحزن‏
فَلْتَبْني، بماءِ الكونِ، في بستانِك السِّرِّيِّ داري...‏
__________
25/12/1995