آدم... ووقت للردة - علاء الدين عبد المولى
شباط/ 1993
تموز/ 1996
واكتشفنا داخل الصَّمت خيالاً مخملياً
كتبَ العاشقُ فيه بضعِ آياتٍ عن التفَّاحِ
إذ يقطِفه آدم من حلم امرأةْ
لم يكن نقشاً خرافيّاً، ولكنَّ عبيراً ملأ الأنفاسَ،
فانسابت ورودٌ تقرع الأجراس للعشّاقِ...
لم نبصرْ سوىكفّ تدلَّتْ من فروج النّبعِ
ترخي خاتمَ العرسِ
وتلقي ذهبَ الجنسِ على رابية الأنثى،
ولم نقرأ ولكنا قُرِئنا
فاستجاب القلب للخطوةِ
يا آدم كوّنا إذاً ثانيةً،
الكون منسيٌّ على ضفّةِ حرب تسرق الياقوتَ
من أعناق قتلانا...
أَمَا تسمعُ جمر اللّيل يدعو قمرَ الهجراتِ
أم تلمس أشلاءَ جمعناها
وأوقدنا على ظلمتها قنديل ماء طازجٍ
آدم كوِّنا وقد نسقطُ حتَّى... لا قرارْ.
سطوةُ العقم تمادَتْ
وأبادَتْ عرباتُ الثَّلج أزهاراً
وما خبّأه الأطفال في ليل الجِرارْ
ملكُ الأحجار غطّانا بصبار بياناتٍ نرى جمجمةً فيها
ولا نلمس فيها بذرةً تنشيءُ أَعضاءَ النَّهارْ
نحن فردوسُ ليالٍ مال نحو الظّلِّ
لا ترم علينا- بعدُ- من موعظة الأسرارِ
ما يبقي على هذا الهشيمْ
وارم من غيم مزاميرك ما يكمل فينا عشبة الأسئلة الخضراء
قد نخلو من العشّاق بعد الآن
قد ترتطمُ الأرضُ بأبواب الجحيمْ
جاعت الأرضُ
ذئابُ اللَّحم هذي الأرضُ
حوذيٌّ جبانٌ هذه الأرضُ
وقدّاسٌ تناولنا به خُبْزَ الغبارْ
لُمَّنا يا آدمُ الآن،
غداً مجمرةُ الرّوح ستذروها الرّياح الوالغةْ
في دمانا...
يا أبانا كم جنى والٍ على خرفانِهِ
كم جنّ أطفالٌ من الوالي
وباعوا زهرةَ العمر، وساروا خَلْفَ
أشتات الدّيانات وأزياء الفراغْ
خذ يتامى القمح نحو البيدر الأولِ
خذ طفلي وعمّدْهُ بنورِ الفطرة الأولى
وخذ قلبي وأنعشْهُ بروح الأمم الأولى...
خلعتُ الآن جلدَ الزَّمن اليابسِ
واستأنستُ بالحاضر إنْ يشعلْ لهيبَ الشَّاعرِ الآتي
رميتُ القّبعات الزائفةْ
عن رؤوس الكلماتْ
وأنا عار ومن نارٍ إلى نارٍ سأهدي لغتي
لا غامضُ الأسرار فيها، لا غبارٌ في أوانيها،
أسمَّي حكمتي
أعطي مزايا اللّه للمنجل في كفّ القصيدهْ
أمزجُ العالم بالطّين السَّماوي المصفَّى
وأنا أجلس فوق الماءِ، هل أُدْعى شهيدَ الماء
أم أُدْعى شهودَهْ؟
أنا يا آدم طفلٌ برعميُّ اللَّغوِ
لا أطوي يدي إلا على الأزرق يغويني فأسعى
في براري اللون مسفوحاً بأشواقي الجديدهْ
لمّني قبل اندلاعِ التّيهِ من كوكب أطرافي الشَّريدهْ
أنا بالعشق بنيتُ الدَّرجَ الموصلَ للبحر المسجَّى
بين كفي ربةِ الأسماء أجريتُ دمي بين يديها
لتعود اللهفةُ الأولى إلى برج الحمامْ
أنا أضواني اشتعالُ البَرْق في ليلٍ رمَتْهُ
امرأةٌ لمَّا ارتمينا في سديم الخَلْق...
ما أبقتْ فروض المعبدِ المنخور من قاماتنا العليا
سوى خفض الجناحينِ، ومسخٍ من كلامْ
ويضيقُ الحقُّ في شرياننا
خُذْنا بعيداً عن هواء الانقسامْ
واقرأ الحبَّ علينا... والسَّلامْ.
***
واكتشفنا داخلَ الصَّمت جدارا
صلبَ العالمُ فيه روحَهُ الأولَ.
يا أنثايَ، مَنْ في لحظة الحَرْبِ
سيُنبي عن جموع الحبِّ قلبي؟
هل ربيعٌ صار ينبوعاً فنسقي من عروق الرّوح ما جفَّ؟
أمن فاتحة الاشياء أن نقذف تحت العجلات الملكية
أُمَةً ترضى بما يُرضي رضوخَ الأبجدياتَ الرَّضيةْ؟
تتخفّى في حواشي بؤسها عائلةً تكتبها الرّيحُ
بحبر العدمِ الطّافح بالدّم وأشلاءِ الضَّحايا
نحن من تيهِ وُلدنا وإلى تيهِ دُفعنا
تلك يا أنثاي أطوارُ النّهايات
احملي الطفلَ إلى أعلى من الأرضِ
لعلّ اللّيل يرعاهُ
لعل الأب تمشي في خلاياه بقايا رحمةٍ محتشدَهْ
والداً أنشأ من طينٍ فقير ولدَهْ...
... ... ...
كان آدَمْ
عاكفاً في قبْةٍ زخرفها البَردُ
يؤاخي بين عينيه ويستقرىء أحوالَ المرايا
آه يا حوّاء... ضلعي لم تزل تنقصُ
فلتكتمل الأشياء من دونيَ
وليعو كذئب الثّلجِ عالَمْ
ليكن أطفالُ قلبي ورقاً من كتب الغربة تهوي
وليفز من فاز بالإثم
لتختمْ رحلة التفاح
ولينكسر المفتاحِ،
لا جنّةَ بعد الآن...
يا حوّاءُ... من بدء الخليقَهْ
أنا سحرٌ أم حقيقهْ؟
لاتقول الريحُ تأويلَ فصولي
غير أن القلب ميقاتٌ نقيّ
وهو ميراث حملتُ الآية العظمى به وابتدأ السِّحرُ:
/تكاثرْ أيها النَّسلُ أباهي بك يومَ الحشرِ/
هل أَحشرُ أطفاليَ في كيسٍ على ظهري
وأَجري في ثقوب الأرض محنياً، تميدُ الأرضُ تحتي
يسقط الأطفالِ، أعدو خلفهم،
قابيلُ أم هابيلُ هذا؟
لم أعد أعرفُ،
إذ غطى الدمُ المقرفُ سيماءَ القتيلْ
هل تكاثرتُ لأطوى بجناح الحربِ؟
ليس القلبُ جندياً
وهذا الموتُ معراجُ الصَّهيلْ
جسدي يُخْصب بالماء ذكوراً وإناثاً
يَعْمُرون الكون مفتوحاً على الفضَّة والحنطةِ
والمحراثُ يبني عالماً أخضرَ
والزرقةُ أسماءُ
ومن أسماء نَسْلي أنَّه حلمٌ جميلْ
هل هي الصُّدفةُ أن يختزل الطاغوتُ هذا الأفقَ العالي
إلى خيط نحيلْ؟
أم هي الرغبةُ تمشي بحذاء سلطويّْ
له من أمعائنا خيطٌ،
وفي أعماقنا يهبطُ في الروح الشَّقيّْ؟
... قُلبَ السِّحرُ/ بُنيّْ
يا سليلَ الماء والطينِ ويا أسطورةَ التَّكوينِ،
منْ منكَ سيحميني؟
أفي الشَّرق تسميني غروباً؟
كبرتْ شجرة آثامي، فمن أي الطهارات سأبدأْ؟
وإذا غيبةُ أشواقيَ طالتْ
فمتى أظهرُ مخموراً من الدفء؟
سلالاتُ اليتامى بين كفيَّ،
وفي عينيَّ أبعادٌ من الغبطةِ
آه يا بنيّْ
لم أكن طوطمكَ المرصودَ يوماً
فبمن لاذَ المغنيّ عندما فاجأهُ صوتُ نعيقِ بشريّْ ؟
أنا بحرٌ فانهب البحر ولا تحرَثْ به
عدْ من ظلام الغزو في هذ المتاهْ
واضحٌ هذا المتاهُ العلنيّْ
فإلى أيِّ المهاوي سوف يمضي نسلكَ الطَّاغي؟
وعن أي إلهْ
سوف يروي سيرة الجوهرِ؟
هل كينونةُ الزَهر تداعَتْ في صليب الدَّمِ؟
هل والدةُ الأنهار باعَتْ نهدها البحريَّ،
في عيد الفضاء المطريّْ؟
هي ذي أرضُ المراثي انشقَّتِ الأقمارُ فيها
وأرى جائحةٍ الموت تهادت نحوَنا،
كارثةً كارثةً أعرفُها منذ انفصالي عن وصالِ الربِّ،
حتى قبلة تُغْسَلُ بالزيت وبالفحم،
وما يأتي أخيراً من رياح الغربِ...
... والأفعى هي الأفعى...
أكلنا ثمرَ الحكمةِ،
والآن ثمارَ الهاويهْ
من نخيل الشَّرق، والأفعى هي الأفعى...
وانيّ
لستُ
آدمْ
أنا نبعٌ من طواغيتَ وبؤسٌ يتفاقَمْ
فضعوني في جدار خشبيّْ
واسرقوا المرأةَ، والحنطةَ، والألواحَ، والعرسَ البهيّْ
يا بنيّْ
قلبَ السِّحرُ عَلَيّْ...