بروق في ليل القلب - علاء الدين عبد المولى

... وفي ليلٍ هَرِمتُ به جميعاً
وكنتُ الطفلَ يُلْهِمُه الرّضاعُ

هتكتُ بطانةَ الأحزان حولي
فليس لها على حَمْلي اجتماعُ

وقلت: أئنُّ. حتَّى أنَّ مِثلي
يتامى العشقِ... لكنْ ما استطاعوا

فتحتُ من النَّوافذ مُشْتهاها
ليدخلَها القرنفلُ إذْ يُذَاعُ

وكان سريريَ الخشبيُّ رخواً
يؤرجحُهُ الهبوطُ والارتفاعُ

ورأسي في ظلال الخمر مُلْقى
يبرعمُ في حديقته الصُّداعُ

سراديب الكلام عليَّ ضاقَتْ
وآزرها على قتلي اليراعُ

أراقبُ مدفَنَ الشّعراء كيفَ-
-استطابوا الموت وهُوَ لهمْ متاعُ؟

فمنهم من يقشّرُ مقلتيه
ليرضى عنه أطفالٌ جياعُ

ومنهم من يعضّ الجمرَ حتى
يبادر ليلَهُ الطَّاغي شُعاعُ

ومَنْ قد يشتري فرحاً بصمتٍ
ويسقط حين يدركه الصّراع

ومنهم رافعٌ نعشَ الأغاني
على شفتيه إن هَوت الذّراعُ

ومنهم راكعٌ خلف الكراسي
ومنهم... آهِ منهم، كيف باعوا؟

***

تأخَّرتِ الحبيبة عن بروقي
وجِلدُ الليل شقَّـقَهُ التماعُ

تغيبُ مع الغيوم سقوفُ روحي
ويأخذُها من الرّيح انخلاعُ

وينبضُ فيَّ بحرٌ لايُسَمَّى
غزاهُ الثَّلجُ واهترأ الشّراعُ

أرمّمُ مركباً خرِباً تداعى
وعتَّقهُ لقاءٌ أو وداعُ

أنا فجرُ البحور، سكبتُ نوري
على الظّلمات كي تهوي القلاعُ

خسرتُ مع العذارى نصف عمري
وماذا يربحُ القلب المشاعُ؟

لهنَّ قلائدُ الشَّهوات مني
ومِن ماسِ الدّماء بها الْتماعُ

طبعتُ على مدائحهنَّ شِعري
وشِعري لاتخوِّنهُ طباعُ

لماذا ترتدي الأجسادُ عُقْماً
وقد سقطَ النَّصيفُ فلا قناعُ

فهذا ((مركبي السَّكران)) ينأى
وينأى خلفه زمنٌ مضاعُ...

***

وبي طاحونة القلق استدارت
فللأشباح من صدري اندفاعُ

ومنّي يسرقُ الأهلُ الأغاني
فليسَ لتيهنا فينا اجتماعُ

بهم لغةُ الضِّباع، فأي حِرْزٍ
سيحميني إذا قال الضّباعُ؟

هدمتُ لأجلهم جسدي، ولكن
((أضاعوني وأيّ فتىً أضاعوا؟))

كحلقةِ خاتمٍ حولي بلادي
فلا ضِيقٌ يكون ولا اتّساعُ

أطوف بنَزْفِ أصواتي عليها
ويُذهلني من الحَجَرِ استماع

أسمى خصرَها العالي صعودي
فيُسْقِطُ خصرَها العالي ارتفاعُ

هي الأرض المصابَةُ بالمآسي
فلا مسجدٌ أفادَ ولا اتّضاعُ

هي الجسد اليباسُ ولو سقاها
مَنِيُّ النّار لن يجدي جِماعُ

لكِ المأساة تُنتجُ يابلادي
بنيها، كلما أُتْخِمْتِ جاعوا...

***

أقمتُ صلاة كارثتي بصمتٍ
وصلَّى خلف محرابي الضَّياعُ

_______________

مطلع تشرين الأول 1994