الفجر يجلس على عتبة صوتي - علاء الدين عبد المولى

هكذا....‏
تفتتحُ الخمرةُ بابَ العمقِ،‏
أستنفرُ حَشْدِ الهلوساتْ‏
وأُداري شبقاً علّقتهُ في قبَّةِ التُّوتِ، وبيتِ البرتقالْ‏
ودمُ الرُّمَّانِ يجري في عروقي‏
مثلما يجري إلى اللّه ابتهالْ‏
كان وجهُ الزَّمن الطّفلِ يطلُّ‏
مَنْ يعرّيني ويطويني مع الشَّرشفِ،‏
والشَّرشَفُ: فلُّ.؟‏
من يساويني بنهدَيْنِ مشعَّينِ‏
كإنجيلٍ من الشَّمعِ يهلُّ؟‏
لستُ وحدي في متاهِ الكلماتْ‏
تلكَ أشباحُ العذارى رقَصَتْ بين عيوني‏
عندما أختارُ وجهاً طيَّبَتْهُ كاهناتُ العطرِ،‏
فاحتلَّ مكانَ الكاهناتْ‏
نبِّئيني يا فضاءاتٍ من الظُّلمةِ،‏
مَنْ سمَّى يدي جسراً إلى النُّورِ؟‏
وكيف المرأةُ الحقُّ تعيدُ التَّسمياتْ؟‏
ماهو الحبُّ؟‏
وما هذا الغريزيُّ الّذي يَحفزُ أشواقي إلى‏
نارٍ على غيمتها أركعُ أو أحْيي ربيعَ العري‏
في أمطارِها؟‏
ماهي اللّذّةُ ينمو خبزُها بين خلايا النَّحلِ؟‏
ما اسمُ العسل الدَّافق من عينينِ؟‏
ما شكلُ يدٍ تقطفُ من برجٍ نسائيٍّ فتات المسكِ؟‏
مامعنى اشتعال العاشقيْنْ‏
خلف باب الماءِ؟‏
هل أنشأَ هذا الموقفُ الروحيُّ إلاَّ قبلتينْ؟‏
فلماذا نزل الحزنُ وعرَّى الجسدينْ؟...‏
آه من رقصة ساقيكِ على مسرحِ كأسَيْنِ‏
يذيبان الجليد العاطفيّْ‏
أنا مولاكِ إلى آخرِ عهدي بالشَّبَقْ‏
حيث أكتافيَ من خيراتِهِ،‏
حيث دمي لولاه مسفوحٌ على أرضِ رمادٍ عربيّْ‏
أحتمي خلفكِ... من مدَّتْ يديها‏
تأخذُ الشاعرَ من فكِّ الغرقْ؟‏
أنتِ/‏
من صبَّ نجوماً من أباريقِ الغَسَقْ؟‏
أنتِ/‏
أنت الآن أشعارٌ من الشَّهوةِ والنَّومِ البعيدْ‏
بين أقدامكِ قلبي يتملَّى:‏
كيف يحيا الظِّلُّ والنّورُ بساقيكِ؟‏
وكيف المُطلقُ القدّوسُ ينزاحُ ببطءٍ ثوبُهُ الكونيُّ،‏
حتَّى تكشف اللَّحظةُ يَنبوعَ الجمال الوثنيّْ؟‏
أنا قدّيسُ الخطيئات‏
فيا خصراً من الأقداسِ،‏
فيكِ الآن قدّاسي بهيّْ‏
أنحني حتَّى أرى النَّهدينِ قنديلين متروكَيْنِ للفوضى،‏
أضيئي بهما ليلَ جنوني‏
واسفحي بستانَ خمرٍ فوق وجهي لأرى مجدي تنامى‏
أنا من مئذنة الفجرِ إلى هَدْأَةِ كفّيكِ أقودُ اللَّيلَ،‏
أجتازُ الغماما‏
كيف شكلُ النَّوم في مهدكِ؟‏
أين اتَّجهَتْ عيناكِ؟‏
هذا الجسدُ الفجريُّ هل غطَّتْهُ أمُّ الحلْمِ‏
أم ألقَتْ عليهِ سحرَها العالي فناما؟‏
أين خبّأتِ يديكِ الطّفلتينْ؟‏
ما الَّذي يرتسمُ الآن على وجهكِ؟‏
أقمارٌ لأعراسٍ؟‏
شتاءاتٌ لأجراسٍ.؟‏
نبوءاتٌ؟‏
غموضٌ لا أرى فيه كلاما؟‏
كيف أحصي عددَ الأنفاسِ؟‏
مشغولٌ أنا الآن بتطريزِ نشيدٍ حول خصركْ‏
فلتنم يا وثَنَ اللَّذَّةِ محروساً،‏
وإنْ ناداكَ كابوسٌ فضَعْني فوق صدركْ‏
أطردُ الوحشةَ، أخفيكَ عن الكونِ لأبني بكَ كوني‏
لتنَمْ يا حلوُ...‏
يا صوتَ رنينِ الصَّمتِ في هذا المدى‏
السَّاقط من شجرة ماسٍ توَّجتْ قامةَ عطركْ‏
....... ........ ........‏
إنَّها الرَّابعةُ الآن/‏
أذانُ الفجر مثلَ الجمرِ ينسلّ إلى عشب أحاسيسي‏
ويُحْيي زمناً بين قبور الذَّاكرةْ‏
عندما عرّيتُ أنثايَ الدَّمشقيَّةَ،‏
أو غادرتُها سرَّاً،‏
وكانت مئذناتُ الشَّامِ تَرْقَى دَرَجَ اللَّيلِ‏
يصبّ اللّهُ فيها شَبَقَ الإيمان بَرْداً وسلاماً‏
وأنا أجتازُ من أبوابها السَّبعة باباً خلف بابٍ‏
لأرى أنّي قدْ صرتُ الشَّآما...‏
وأنا الآن، وبَعَدَ السَّنوات الهاجعةْ‏
أُجْلِسُ الفجرَ على عتْبَةِ صوتي‏
رافعاً منه لأنثايَ قواما‏
يرتدي برقَ شفاهي ورعودي‏
جسدٌ سمّيتُه قيثارةً تشلحُ في المرآة ألحاناً‏
وتصفو كدموعي‏
جسدٌ منحِدرُ النَّهدينِ، ينسابان‏
شلاّلاً، بهيميّاً على وادي ضلوعي‏
جسدٌ جاعَ لجوعي...‏
....... ........ ........‏
وتدثَّرنا من البرد معاً‏
والولدُ السَّاهر في أعماقنا‏
تتدلَّى قدماه‏
كمناماتٍ من الوردِ على أحداقنا‏
ويداهُ‏
بهما نُرْجِعُ عمراً ضاعَ في وحشةِ من ضاعوا وتاهوا...
___________
26/آذار/1995‏