أسكبُ جرَّةَ الحنان عليكِ - علاء الدين عبد المولى

بماذا أنتِ تمتلئينَ؟‏
أنتِ سلالُ فاكهةٍ تدلّتْ في هواء الأرضِ،‏
أنتِ مخيَّمُ اللّذّاتِ تَشْرُدُ فيهِ أعضائي‏
وتلتقطُ الغيومَ الشّارداتِ مع العيونِ‏
وتنحني فيه تويجاتٌ على الماءِ...‏
نوافذُ صمتكِ العالي مناراتٌ‏
لأذهبَ في غموضكِ‏
لم يزلْ في ساعديك بقيّةٌ تلدُ المباهجَ،‏
في أناملكِ احتراقُ خواتمٍ ضاءَتْ‏
أغذِّي وجهكِ المبهورَ بالشّمس البعيدةِ،‏
فاسحبي أرضاً -تمادى الموتُ فيها-‏
نحو فخذيكِ‏
وضمّي خَلْفَها الشّعريَّ،‏
والقلقَ المعلَّقَ تحت قوسِ القلبِ،‏
لُفّي عُرْيَها الطّينيَّ،‏
رشّي فوقها اللَّيمون والنَّعناع،‏
واشتعلي بنهديكِ‏
لتكتشف البراءةُ ظلَّها المنفيَّ،‏
من حقِّي التَّجمهرُ تحتَ شرفتكِ الأنيقةِ،‏
ترفعين يديك مرآتين لي‏
ماذا أرى والعالمُ الذّهبيّ مشغولٌ بأزرارٍ تخبّئُ‏
جنَّة العسلِ...‏
أريدكِ زهرةً في صَمْتِ آنيةٍ تبارك عَينَ من تهوى‏
لأدخل دارة البوح، الهواءُ حصانيَ الشّبقيُّ،‏
ألويتي أصابعُ تلتقي في النّارِ‏
ساجدةً على صدركْ‏
فأسفحُ نَهْر أسمائي على جبلٍ‏
تصاعَدَ من ذُرى خصرِكْ‏
عراؤك مالكُ الأضدادِ‏
شمسٌ فوق أبنية الرّمادِ‏
حمامةٌ بيضاء في عشّ الظَّلامِ‏
وقطّةٌ حمراء تلعبُ في أناشيدي‏
فتقْلِب صرحيَ اللّغويَّ‏
تعصر برتقالَ الجنس‏
تقفزُ بين أزهار الكلامِ‏
وتشرَحُ لي منامي...‏
ساحةُ العشّاق نحنُ،‏
ونحن زوج بلابلٍ كسرا سياجَ الوقتِ‏
وامتزج النَّدى بهما‏
هُما تأويلُ شوقِ الفجرِ‏
زرقةُ قبّة غُسِلت بماء اللّه‏
عند نزوله أفقَ السّلامِ...‏
خذي انقسامي‏
انهضي بي من ركامي‏
نحن منسوجان من ألِفٍ ولام‏
نحن تعريفُ الخُطى الخضراءِ في ماءِ الحدائقِ‏
دَفْعُ ريحٍ بالغمامِ‏
وقَدْحُ نارٍ في جموع السَّاهرين على شموع صفائهم‏
أكمامُ عاشقة تكاشفني صباحاً بالدّموعِ‏
وعاشقٌ ينمو على حجرِ الرَّبيع‏
عليكِ أسكبُ جرَّتي بحنانِها الخمريِّ‏
جوهرتان في عينيكِ‏
أم أيقونتان على جدار الدَّمع؟ لا تبكي‏
عروسُ قصائدي أنتِ‏
الصَّلاةُ أمام هيكل غبطةٍ أنتِ‏
أُداري سرّكِ العاري أمام إله أسراري‏
وأمنع عنك سهمَ كآبةٍ، وأضمّ كفيّكِ‏
لنبدأ رقصةَ النَّارِ‏
أدافعُ عن بقائك كي أكونَ‏
وعن جنوني كي تكوني..‏
نلتقي خلف الزَّمانِ‏
نلفُّ حَبْل الشّائعاتِ على أصابعنا لنقطعَهُ‏
ونقرأ في البعيد قريبنا‏
أهلٌ لكلِّ قراءة نشوى بصيرتُنا‏
ونسند بالرّموش هواءنا المكسورَ‏
عصفورَينِ يفتضَّان إيقاع الرَّحيل‏
يهرّبان النّور في طيّات ريشهما‏
ويعتنقان في شجر الضّحى‏
يتحاوران أمام مرآةِ الظَّهيرةِ‏
ثمّ يحترقان في شوق المغيبِ...‏
... ... ...‏
بماذا أنتِ تمتلئين؟‏
بالأنهار طافحةً بأعشاب وأسماكٍ وأحجارٍ‏
نسيمٌ في حضوركِ؟ أم كتابٌ كنتِ تجتهدين في‏
تشكيله من بارقاتِ طفولةٍ كبرَتْ فكانت‏
فيكِ غائبةً وحاضرةً‏
كتابٌ في رموز الحزنِ،‏
والحبِّ الملعثمِ،‏
والسّلام بقبلةٍ بكرِ‏
كتابٌ في الرَّهافة، واشتعالِ العمق فوق الجمرْ‏
كتابٌ أنتِ أوَّلُهُ‏
وقلبي اشتقّ منه حبرَهُ المكتومَ‏
شعراً ناطقاً بالسِّحرْ...
____________
8/كانون الأول/ 1995‏