بكاء تحت قبة العائلة - علاء الدين عبد المولى

ليسَ مِنْ حقَّنا ياإمرأَةْ
أن تمدَّ ذراعاً تُعَلَّقُ في سقفِ بيتٍ ثريّا
وعلى حائطٍ لوحةً،
فالرّؤى قلعةٌ مطفأَةْ
ليس من حقّنا أن يسرِّحَ أطفالُنا الأحصنَةْ
فوقَ أرضٍ بَرَاحْ
بينما نحنُ نشرَبُ قهوتَنا
ونحدّق في حطب الأزمنَةْ
ليس من حقِّنا أن نؤرّخ أيَّامنا
بالزّهور كما يفعلُ الخلقُ، أو
نتفتّحَ نافذةً للهواءْ
هل مقاعدُ رغباتنا عفَّنَتْ
وضمير الفضاء عفَنْ؟
فاذا ضجَّ فينا الدّعاءْ
فلمَنْ؟
وأغانيَّ مكسورةُ الظَّهر تجري وراءَ سراب البيوتْ
تحسدُ العنكبوتْ
له بيتٌ، اذا مات يعرف أين يموتْ
كيف يخلعني وطني من أصابعِهِ
كالخواتم مكسوّةً بالصَّدأْ
كيف أخلعه وهُوَ أسْمي الَّذي
يتحلَّق حولَهُ طفلان يقتتلان على كرةٍ وكتابْ؟
أيّها الولدان أقِلاّ عليَّ العتابْ
كلما شئتُ أقطف تفّاحةً
من رؤى الحلْم، تلسعني حيّةُ الاكتئابْ...
ليس من حقّنا دعوةُ الأصدقاء لكأسِ حنانْ
هل كُتِبنا على هامش الوقتِ فصلَ دخانْ
كلّ دربٍ هنا، مالنا
كلّ شمس هنا، لفَّها غيرُنا برغيف العسَلْ
كلّ أغنيةٍ شقَّها ملكٌ
بحسام لترفعَهُ أمُّه بطلا
وتزيّنَهُ بالحُلي
كلّ سقفٍ رفْعَنا هوى
كلّ حلم نقشناه في خشب اللَّيل سالْ
كيف نقوى على أن نواصل هذا العبورْ
طرقاتٌ رمَتْ وهْمَها فوق أقدامنا
وغيابٌ يعلّقنا مثل عشب على جنَبات القبورْ
ليس من حقّنا أن نمدّد أحلامَنا
فوقَ/ اذْ فوقَ حضن المنام جدارْ
والجدارُ: حوارٌ الزَّمان مع العجز متَّصلٌ
ليس فينا منارْ
نحنُ ياشبَحَ العاطفَةْ
نحن شيخان من داخلٍ
ونغافلُ طاحونةَ اللَّحظات لنعلنَ أنَّا صغارْ...
هل نزغردُ في وترٍ قطع الحبُّ شريانَهُ؟
اسبحي بين عينيَّ معصيةً وبكاءْ
وعلى جسدي عطرَ كارثةٍ
ربّما.. ربّما... أُستثارْ
مرّةُ مرَّتين، انتهينا
يبس الوردُ بين يدينا
ورغيفُ الغناء حَجَرْ
مرّةً مرَّتين، ولم يبق فينا
شبرُ لحمٍ ولم ينزرعْ فيه سيفُ الضَّجَرْ
كم دفعنا بايقاعنا في مهبّ الرّياحْ
وسقطنا كبلّور فاجعةٍ من أعالي الصَّباحْ
أعينٌ حسدَتْنا؟
أم تعاويذُ آبائنا خدعتنا؟
علَّقوا خرزاً أزرقاً فوق أضلاعنا
أيقظوا في مساءاتنا الغولَ يقفزُ بين الحكايا
عسكرَ الجنُّ بين ممرَّات أحلامنا
فاختفينا وراءَ حجابٍ ومن يومها
لم تزلْ وردةُ الرّوح ذابلةً في اناءِ الغبارْ
لم يزل عالَمٌ لوَّثتهُ الوشايهْ
عجنَتْهُ الكوارثُ في كوكبٍ عاقرٍ
جفّ فيه الكلامُ وجفَّ الهديلْ
وانحنى راكعاً في طقوس الدَّمارْ...
ليس من حقِّنا أن نذوِّبَ أقدام أيَّامنا
في ضفاف السَّهَرْ
تحت ضوء القناديلِ حيثُ أصابعُنا نعسَتْ
فتسلّلَ من بينها حلمٌ
راحَ يمشي برفقٍ لكيلا يفاجئَ نومَ القَمَرْ
ليس من حقّنا أن نميلَ بأعناقِنا
نحو بئر من الصَّلواتْ
لنشكّل ذاكرةً من ظلالٍ تمارس سرَّ الحياةْ
طوتِ الأرضُ منذ مغيبين أعطافَها
فارتدينا الفراغْ
أطفئي نورَ غرفتنا
غرفةٌ للحرائقِ، أم للزَّنابقْ
غرفةٌ: لمخيِّلة مجهَدَةْ
تتراكمُ فيها الرّموزُ، وتنفطرُ الأفئدَةْ
آه أيَّها السّيّدةْ
هكذا ننتمي للّذي لايجيءُ ونحصدُ مازَرَعَ الوالدونْ
هم مضَوْا، بينما نحن أجداثُنا في دواخلِنا
عندما نحن -حتَّى عظام الترَّاتيل- مستلَبُونْ
أيّ عاصفةٍ ندَّعي كي نكونْ
والعواصفُ خانَتْ وكم ستخونْ
آه سيِّدتي حاولي أن تشدِّي عليكِ غطاءً من الحكمة الأزليّةْ
ودعي جسدي حارساً عندَ بابِ الجنونْ...
____________
نيسان - حزيران /1995