غمامة - عمر سليمان

أطرقتُ لَمَّا تآخى الهجرُ والوعدُ
وغبتُ عنِّي وقلبي في العلا يعدو

ياطولَ بعديْ عن الأرجاءِ إذ حملتْ
أناملَ العمرِ عينُ الشمسِ والوِردُ

ترنو إليهِ فيرنو دونما قلقٍ
فتلثم الوجهَ حتى يغربَ الخدُّ

وتحتسي الريق في شوقٍ وفي لهفٍ
لأنجليْ عنهما إذ يبسُمُ الوَرْدُ

وأعتلي صهوَةَ الدنيا بأجنحتي
وأسفِرُ القلبَ في كونيْ وأشتدُّ

أرى الأهازيجَ والأطفالَ تعبرهم
بعدَ الحصادِ مُنونٌ مالها حَدُّ

أرى ترانيمَ قدسِ الأنبياءِ أرى
عصرَ الحمامِ وبوذا وسطهُ جَدُّ

أرى ممالكَ...أسواراً يسوِّرها
غروبُ عمرٍ...وجندٌ حولهم جندُ

فيسرحُ الطرفُ في الآفاقِ مبتسماً
وفي جبينِ هبوبي قد صحا الوُدٌّ

حُمَّى التغرُّبِ عنديْ في الشتاءِ هوىً
غطَّى جبيني رؤىً إذ حفَّني البردُ

هذي المدامعُ مني رفُّ سنبلةٍ
في كَفِّ نيسانَ لكنْ ما ارتوتْ بَعْدُ

للريحِ أن تمضغَ الإشراقَ مسرعةً
وأن تميطَ لثامي كلما أغدو

فإنني لم أزل والكونُ يشهدُ لي
وبالرياحِ يهيجُ القُربُ والوجدُ

***

لراحةِ الحقلِ أرخي كأسَ نشوتهِ
فنسكبُ الراحَ حتى يثملَ الشهدُ

مني أعيدُ رفيفَ الصمتِ منتشياً
على صليبِ دموعيْ كلما أشدو

الأرضُ والأفقُ عِقدٌ فيهِ أتبعنيْ
والحُبُّ مرمرُ عِقديْ مالهُ عَدُّ

قد شعَّ حينَ علا القُدَّاسُ مؤتلقاً
وانسابَ ناقوسُ أفْقيْ والهوى فردُ

وحلْمُ ذكرايَ صفَّى لونَ أزمنتي
يوشّحُ الكونَ ألواناً ولا يحدو

فيا لحلْميَ !!لمَّا سرتُ أرَّقني
وإذ غفوتُ بدا من حُلميَ الضِّدُّ!!

لو تسمعُ الصمت تبدو فيك أغنيتي
وإذ تحيك لثامَ الصمتِ لا تبدو

حتى أعودَ إلى وِرديْ بأجنحتيْ
وحولَ وِرديْ ينامُ الصَّمتُ والخُلْدُ

لأغمرَ السرَّ في أرجائهِ فَرَحاً
فيبسُمَ الوِردُ مثلي والصبا يعدو

أنا أنا لو أطلتُ الشَّدوَ أو رحلتْ
نوارسُ العمرِ كانَ العُمْرُ من يشدو