أحتاجُ ضمَّكِ كُلَّمَا خُدِعَتْ يدايْ - عمر سليمان

فَرَحٌ كَأوَّلِ ما يكونُ الغيمُ في تشرينَ
يرهفُ صحو ذاكرتيْ على طرقِ الحنينْ
أمشيْ وأبسمُ بينَ أروقةِ البناءِ
و بي هناءٌ لا يباليْ لو أدراتْ زورقَ النظراتِ أنثى
نحو شطيْ
أو مضتْ في بحرِ لذتها لحفظِ الكبرياءِ
وخفقِ إيحاءٍ يرفرفُ بينَ أشرعةِ الشفاهِ
غير أني في كلا الحالينِ فاضَ بقاعِ حيرتيَ الألمْ
أمشيْ و أنظرنيْ صغيراً بينَ قاعاتِ الدراسةِ
في يدي تلهو الدفاترُ مثلَ أطفالٍ
براءتيَ التيْ ذُبِحَتْ بمقصلةِ المنافيْ
لم يكن شرٌ تربعَ بعدُ في تجعيدةٍ بينَ الحواجبِ
كانَ حزنيْ دونَ أشجارٍ تقيْهِ الريحَ
أمَّا لا مبالاتيْ تُربَّى مثلَ نخلٍ فوقَ صحراءِ السنينْ
ما لي على دَرَجٍ أعودُ إليهِ بعدَ نزولهِ
وصعودِ أرجائيْ عليهِ غايةٌ
إلا أرانيْ مرةً أخرى
وماليْ غايةٌ في السيرِ كالمجذوبِ
إلا أن أطَيِّبَ قسوتيْ في طيبتيْ الـ غابتْ
إلى أن يظهرَ المقهى
يحيينيْ ويضحكُ مثلَ شابٍّ طائشٍ
قد لقَّنََتْهُ حوادثُ الدنيا وما ألفى من الأشخاصِ حكمتهُ
يقول بملءِ ضجته:أرى خَدَعَتْكَ أنثى مرةً أخرى
أليسَ كما أقولُ؟
لأجلِ هذا الحزنُ خلفَ حواجبٍ ستَرتهُ
أطْرِقُ لا أجاوبهُ
يحرِّكُ رأسَهُ:لا تطلْ في الحزنِ،يوماً سوفَ تلقى غيرها
ولديَّ ما تهوى لديَّ
وما عليكَ سوى تشيرُ بِعُوْدِ طرفِكَ نحوَ أنثى
في تماوجِ عينها استعدادُ قيعانِ الأنوثةِ للذيْ يأتيْ ويلتقطُ الصَّدَفْ
أهلاً
فأبسمُ ثمَّ تضربُ قبضتيْ كَتِفَاً لبابهِ
في يدي الأخرى أصافحهُ وأدخلُ...
فوقَ طاولتيْ يقول الكأسُ:
إني متعبٌ من وحدنا
فمتى ستجلسُ بيننا امرأةٌ؟
تجيءُ لها بكأسٍ آخرٍ
ونصيرُ أربعةً:
أنا والكأسُ نحكي ما يخصُّ شؤوننا
في حينِ تنسجُ من ضفائرها جَناحاً كي تطيرا في سماءٍ من غزلْ
حتى إذا لَثَمَتْ شفاهَ الكأسِ يغمزُ لي ويسخنُ بينَ جنبيهِ هياجُ الشايِ
أجلسُ خلسةً في موقعهْ...
الحبُّ خضَّلَ ضجةَ المقهى
وفيهِ الكلُّ يفرحُ
ينشرُ الأيامَ في الكلماتِ يحكي عن صدى حلمٍ مضى
أو يبدأ التفصيلَ في ثوبٍ لآخرَ سوفَ يأتيْ
حاملاً فرحاً جديدْ
فأقولُ وحديْ قربَ وحدكَ يا صديقيْ
كلُّ وحدٍ بيننا خلٌ وحيدْ
عينايَ صوبَ البابِ منظارانِ
أرنو للتفاصيلِ الـ يعاكسها ويلمسها
لعلَّ يمرُّ خصرٌ فيهِ نوتاتٌ تشابهُ عزفَ خصركِ
أو فراشاتٌ تُقلِّدُ فوقَ نهدٍ رفَّ صَدْرِكِ
غيرَ أنَّ العابراتِ يمجنَ في ألوانهنَّ وقد تلاطمَ حولَ عينيَّ المطرْ
وهنا أنا وهناكَ في ساحاتِ جامعتيْ
يسيِّرُنيْ التذكُّرُ هائماً
أحتاجُ ضمَّكِ حينَ ألمحُ طيفَ سحركِ في الزحامِ
وفي مظلاتٍ بكتْ
أهفو وأحتضنُ الفراغَ
أدوخُ قد خُدِعَتْ يدايْ!!
عينايَ صوبَ البابِ تنهمرانِ
لو مرَّتْ به أجفانُ أنثى
في طهارتها عبيرٌ من حنانكِ
حينَ تسحبُ كُحْلَكِ الورديََّ دمعاتُ السماءِ
لكيْ توزعهُ على خديكِ
تدفئَ بسمةً سطعتْ بقلبيْ
لم يزلْ وحدي
وكأسُ الشايِ والمقهى أماكنهمْ
وحزنٌ شاردٌ بينَ الغمامْ
أمَّا أنا
فمضى على ساحاتِ جامعتيْ
وضيَّعهُ المطرْ ..