شتاءُ الحنينِ وريحُ المدينة - عمر سليمان

كيفَ لي أن أعُدَّ خطاكِ على حقل روحيْ...
ودمعُ المدينةِ غطَّى عصافيرَ فكري الشريدةَ
والخوفُ فاضَ بوحلِ انكساري
وحمى الضياعْ؟
مطرقاً في الشوارعِ...كفَّا غيابيْ بجيبي شرودي المُلَبَّدِ
أرنو إلى الحافلاتِ التي ثملتْ بالصبايا
وأجفانهنَّ يكحِّلها مطرُ الصحوِ
أذكر عينيكِ لمَّا ركضنا على ضفَّةِ الأرجوانِ
وقُبَّعةُ الصفوِ غطتْ جبينَ حنانكِ
حتى تحدَّيتِ بالياسمينِ على وجنتيكِ ارتعاشَ الغمامْ
فوقَ أرصفةِ الذكرياتِ أراني أهيِّء من قبل عامٍ حقائبَ برديْ الطويلِ
وبيتَ الشتاءَ الفقيرَ
وكنتِ معيْ...
كنتِ في رفِّ شمعةِ طاولةٍ للدراسةِ
كنتِ معي في غيابكِ
والآنَ نحن كبرنا...كبرنا
وقد كبرتْ لامبالاةُ قلبي بقسوةِ هذي المنافيْ
وشاخَ اغترابيْ
***
يطِلُّ بَيَاتٌ من الحُلْمِ أرمقُهُ صادحاً في أصابعَ للفقراءِ
وقد عزفَ الغيمُ فيها بِقَطْرَاتِهِ
والرياحُ ترنِّمُ بينَ جفونِ العذارى أقاصيصَ عشاقِ هذي المدينةِ
ممن يمرونَ في كل عامٍ ولا يرجعونَ
لتغمضَ رمشَ الكماناتِ قبلَ اندياحِ الدموعِ من البردِ
أو من فراقٍ...
فتعزفَ لي حيرتي...وعذابيْ
***
أغيبُ بمقهى أواريْ به سوءةَ التيهِ بالتيهِ
متكئاً فوقَ عكَّازِ حزنيْ
أراكِ...
أمامكِ طاولةُ الذكرياتِ
وفنجانُ بنٍ
وحولكِ بعضُ الصديقاتِ
صحبي يحيطونني بالحديثِ...
وصمتكِ مثلُ صدىً لإوَزِّ البحيراتِ وسطَ نخيلِ الظهيرةِ/طرفيْ
لعينيَّ مالملاءتِكِ السُّكَّرِيَّةِ حولَ يديكِ
فتبتسمينَ كحوريةِ البحرِ بينَ الأيائلِ
شمسُ النوافذِِ تنثرُ في ثغركِ القرمزيِّ لآلئها
أنتِ لا تعلمينَ عنِ النَّجَمَاتِ التي لو غفونا بليلِ الغيابِ
سأنثرها من فضا شعركِ المخمليِّ
ولا تعلمينَ عن المعجزاتِ التي طيَّرتْ من سمواتِ عينيكِ أصداءَ ناقوسِ شِعريْ
ولاتعلمينَ ولا تعلمينْ
***
كيف أمحو خطاكِ؟
لقدْ نتشتْ في حقوليْ كروماً تديلُ إلى ضفةِ القلبِ خمراً من العشقِ...
كيفَ أقولُ؟
وخَطْوُكِ تفعيلةٌ لم يطلْها الخليلُ
وكيفَ أراكِ إذا...
فجأةً ترجعينَ لبردِ المدينةِ
وَضَّبتِ هذا المكانَ بمحفظةِ الذكرياتِ
وعلَّقْتِهَا فوقَ كَتْفِ الغيابِ...
غرستِ فراغاً بكرسيِّ بُعْدِكِ
هاإنني الآنَ وحديْ
يبعثرني الحزنُ بينَ ضجيجِ المقاهيْ
ولاشيءَ إلا ضياعيْ
ودمعيْ
وبردُ الشتاءْ...
29/2/2008