رحلة - عيسى الشيخ حسن

حين دخلنا في باب الحكمة ِ
فاجأنا العصفور
يشدو ، ويذرُّ فتافيت الوجد
على حزن الفقراء ْ
وينقِّر في ظلّ مواجعنا
يبحث
عن حلمٍ مكسور
كنا نهذي بالباب
ونرحل بين " الفاتحة ِ " و " يس "
ونفكّ ضفائر رؤيانا
لتمرّ الأسماء ْ
وكان النهر يخاصر موتانا
والحلم يجفّ ُ
وكنا نتردّّد في لمّ أغانينا
عن حبل الفتنة ِ
ونفتش في راحات أيادينا
عن معنى الخيبة ِ
وندوّن نصّ الروح ِ
بنايات الغرباء ْ
آه .........
وكنا ندعو أن يرسمنا الله تعالى
في اللوحة أولاداً نبلاءْ
نغرق في البوح الدافق ِ
مبهورين برؤيا تومض في كفّ الليل
أصابع من برق ٍ
ويتامى يبتسمون َ
تسيل خطاهم فوق خطوط اللوحة ِ
..............
وقرىً دافئة ً
وسنابل خضراءْ
آه ِ .......
وكنا نأمل أن نستنسخ ابطالاً
من رحم التاريخ
وكنا .........نبكي
ونراود أنفسنا عن بهجتها ، كي
ننسى تلك الأيام المملوءة بالقلب
وأيلول الظامئ ِ لثياب الأولاد الغادين
إلى مدرسة القرية ، والولد النائم في جفن
التاسعة صباحاً ، وحروف كتابي المفتوح
على صور البيت
وكنا ننشد :
يا عصفور
يا عصفور
غنّ ِ
غنّ ِ
عن زمن ٍ حلو ٍ ، ومكانٍ مسحور
قل حتّى لو كذباً
أنك حين تسلقت جبال الريح
رأيت غيوماً مقبلة ً
يا عصفور
يا عصفور
في سبأ الحلوة سيدة ٌ
من وردٍ وكلام
في قصر ٍ تملؤه الحوريّات
وأشجار الزيتون الحبلى
بوميض النور
يا عصفور
كن مرسالي ـ حين يدبّ الليل ُـ
إليها
جمّلني ـ وحياتك ـ في عينيها
قل حتى لو كذباً
" نشميٌّ ، ووسيم ٌ ، لم تهزمه
الحرب ُ ، ولم تغلبه الأنثى
حين هوى النجمُ ،إغريقيّ
أبحر في ملحمة الريح ، وصفّق
للراوي " .
قل ما شئت
* * *
في التفاح الأول سافر مولاي
أوقفني في باب الطالب ِ
وأناخ َ تباريح العشّاق ِِ بذاك الباب
سمع لي متن الألفية في الصبح ِ
وكافأني بالتوت ِ الأحمر ِ حين حفظت ُ
وأوصاني خيراً بالحزن
كان الشيخ يعزّينا إن هلك الحرثُ
وغاب الوبلُ
وأفلس أنصاف الشعراءْ
آه ِ وكان يمرّ علينا إن أولمنا
يغرينا بكروم البصرة ِ
ودروب سمرقند َ
وبالجرح ِ الأخضر ِ
في صمت الشهداءْ
حين شربنا الحزن الأولَ
أكملنا تفسير النهر
وطفقنا نخصف من ورق الكلماتِ
على سيرتنا
فانكشف النبع ُ عن السيرة ِ
وتدثر دمع ٌ بحكايات الأجفان
وتعثر بالدمع ِ الواقف وطن ٌ
ونداء ْ
في الشجر الثاني
أكمل مولاي دلالات مراثينا
وانسابت مدنٌ
وبقايا جملٍ
ومرايا
ثمة حطّابون اكتشفوا معنى الخضرة
ودروبٌ آثرت الصمت َ الهاجع َ
تقرؤه أقدام ُ الرحلة ِ
ونجوم ُ البدويِّ الباحث ِ عن عشب ٍٍ
يرفل ُ في ليل الصحراء
*
في الموت الأول
شاهدناه يلوّح
كان المشهد ملتبساً
والأطفال عنيدين
وكنا نتماوتُ
نشرب ما يكفي اللوعة أن تهجع َ
دون مناديل
والمشهدُ محتشدٌ بالممكن ِ
والطارئ ِ
والمتوجّس ِ
والمتخيَّل ِ
والأسود ِ
والأسود ِ
والمشهد مرتبكٌ
فالكذبة رحلت أمس ِ
تركتنا من دون غطاء
فكيف ندثر هذي الخيبات ِ
وكيف نلم ُّ جروح الرحلة ِ
كي نقرأ في الليل عليها
وجع َ التغريبة َوجنون َ الزير
رحلت
يا ويل أصابعنا المرفوعة ِ
في وجه الريح ِ
ويا ويل خطانا
لو أنّ الشجرَ تلفّع خضرتَه
لرسمتُ حروف ربيعي فرحانَ
وجئت إلى الكذبة كي ترسمني
بحّارا ً تأخذه الرؤيا
حين يسيل الليل على المدن المنصوبة
في الإعراب
لو أنّ الشمسَ تخبّئنا في ثوب الكذبة ِ
بينا نحتاط ُ لهذا البرد الآتي
لرسمناها في الدفتر كعيون الفقراء
و المشهد ذبلان
خامرني أن أرفو قمصان المشهد ِ
بالوله الممكن ِ
والدمع المتمكن ِ
فلعل العصفور يعيد إلى الكذبة ِ
وهج جناحيها
ويعيد فتافيت الوجد إلى
حزن الفقراء
* * *