ذاكرة متمردة - غادة السمان

جئتك عزلاء كبجعة، أقرع بمنقاري نوافذ اللطف
حين سقط منجلك على عنقي!
ولم يعد صوتك يهطل فوق قلبي مطراً ملوّناً،
ولم تعد عيناك أفقي، وذراعك مجذافي،
ولم تعد ذكراك رضوض الروح التي لا شفاء منها
إلا بالموت... ولم... ولم...
هنا أحببتك حتى الثمالة، وهناك أنساك حتى الثمالة،
هذا ما لم تقله شهرزاد لشهريار
ليلة أصدر شهريار أمره إلى جلاده ليجزّ عنقها ونام...
ففتحت شهرزاد والجلاد خزائن الغضب وهربا معاً.
***
شهريار غطرسة الهراوة،
وأنا حيرة طواحين الهواء.
كنت أحدثك بلغات الطير
وأنتَ تحدثني بلغة هولاكو!
كنتَ تظنني تحولتُ إلى رصيف عتيق منسي
أمام عتبات قصر الشوق، ولم تصدّق،
حين أَضمَرَ الليل لك القمر كامل الاستدارة،
أنني تحوّلت من عاشقة
إلى قطة برية متوحشة،
في فمها أسنان عشرات النساء
اللواتي دستهن بأحذية غطرستك
وجزّ سيّافك أعناقهن!
وها أنا أركض عبر القارات،
مكتظة بالحزن والذكريات،
مكنظة ببصمات أصابعك على جسد أيامي،
مكتظة بحبك اللامنسي وزوابعك وألعابك النارية،
مكتظة بأصواتك وهبوبك ومدك وجزرك،
مكتظة بالصحو والنسيان... بالحب ورفضه في آن...
***
يتجول الحزن أميراً في بهو الصيف،
ويطوف بين رعاياه من النساء المكسورات
على بوابات البكاء والمزارات،
وأمشي إليه،
عارية القدمين والكبرياء...
المطر الاستوائي ينهمر من شعري،
ويأخذني الأمير الحزن إليه
وأنا أعترف له: لقد ذهبت إلى حب شهريار
كطيران العصافير في العاصفة المدارية،
بلا مظلات ولا قبعات،
فانكسرتْ.
ولولا عكاز الأبجدية لسقطتْ!
إنني أروي الحكايا
لا لأسلّي شهريار،
بل لأداوي جرحي
على مدى ألف عام وعام، لا ألف ليلة وليلة...