يوم 32 آذار: خارج الزمان - غادة السمان

كيف يهطل الثلج هكذا في الربيع الحار؟ يهطل من عيون
رجال الثلج، من آذانهم وشعرهم ورؤوس أصابعهم... يتناثر
من أفواههم بغزارة حين يقول لي أحدهم بصوت مثلج: أحبك.
منذ استعبدني حبك، منذ فراقنا قبل التاريخ وأنا أعيش مع
رجال الثلج وأرفض الاعتراف بذلك وأحن إلى رائحة زمنك،
البهارات والأبنوس والصندل وعطور الشرق.
يطاردني رجال الثلج في شوارع المدن الأخرى الجديدة التي
لم أطأها بعد...
أراهم على أبواب فندق مقصوص في الجليد في أقصى
الشمال... والأطفال يصنعون رجال الثلج، آه ما أقوى أصابع
الصغار والموتى وأصابع أشباح الأحباب... أهذه المراكب التي
تمخر بحاراً غامضة نائية من صنعهم؟
كأنني تعبت من قارات الثلج الرفّه، ورجال الصقيع
المهذب، والموتى بأوسمة وأضرحة فاخرة...
كأنني أفتقدك، وأفتقد...
أفتقد ماذا؟ لا أعرف الكلمة. إذا كنتَ تعرفها أترك لك فراغاً
لتكتبها هنا بخطك وحبرك "...".
أفتقدك بينما يسقط الليل فوق عنقي ببطء شفرة سوداء مسنّنة
ذات بريق يشبه أسنان الأبطال.
آه الثلج. رجال الثلج يتقنون الغزل الموارب والرثاء
الضاحك، - فكيف أستطيع أن أنساك؟
آه الثلج! لم يكن الغرب أما بالغة الحنان لقلبي، وحتى حينما
دللني ، كان "تدليله" لي مثل قبلة امرأة ثرية وحيدة لكلبها
الطريف وسط مقهى الإعلان عن الرفاهية والحساسية استدراراً
للإعجاب بها. وحتى حين غمرني الغرب بأضوائه، شعرت أنني
مثل حيوان مسكين في السيرك يعرف أن سوط مدربه يتربص به
في الظلمة، إذا لم يقم بتأدية "نمرته" المحددة في الاستعراض.
يركض بمهارة فوق البراميل. يقفز داخل الحلقات المعدنية
الملونة، كبرهان على مهارة مدرّبه، وعظمة مروّضه، ومجد
السيرك!
ها أنا اليوم مثلهم، دمية من الثلج، لكنها ما زالت تتقن فن
التحوّل إلى بومة فضولية حين يهبط الليل الكبير...