ذاكرة بومة الأبجدية - غادة السمان

حين كانت صغيرة، رحلت لتصطاد لؤلؤة تعلقها على صدرها
كالصبايا العاشقات لهن. فوجدت في شبكتها أصداف الرياح
الخاوية من الدرّ، لكنها تغنّي بألف صوت حكايا عرائس البحر.
وأنصتت إلى أساطير الموج، ونسيت حبيبها.
رحلت من جديد لتصطاد قطرة ندى تزيّن بها أهدابها
لحبيبها، فوجدت في شبكتها المطر والعواصف وجراح الصيادين
المحزونين على مر العصور... فسطّرت حكاياهم ونسيت
حبيبها.
رحلت مرة ثالثة لتصطاد قنديلاً رومانسيا تزّين به غرفتها
لحبيبها، فعادت وفي شباكها صاعقة لم ترق له. وافترقنا.
فعشقت الحب وكرهت الحبيب. أدركت أن قدرها أن تصير
كاتبة. أذعنت. لم تعد أنثى ولا ذكراً، بل روح هائمة في
تضاريس الزمان، لا جسدَ حقيقياً لها غير قلمها، ولا أرض غير
ورقها، ولا دورة دموية غير نزيف حبرها. تطارد حبيباً لا تعرفه
حتى تخوم الجنون والمستحيل... وإذا وجدته، فرت منه
لتكبت عنه!