هلاك اليقين - فايز خضور

(1)
يمرُّ بي اليمامُ، مثل غاسقٍ
وبغتةً، هيهاتَ..
لم يعد إلى الركون في مغيبهِ
مَن أقلقَ المغيبَ عند أفقنا؟
مَن نفَّر اليمام..؟!
هل مطرُ الخريفِ،
أم غبارُهُ،
أم هيكلُ الشّقاء في الزحامْ..؟!
مَن أبعدَ الفراخَ عن أعشاشها، واستبدل الأمانَ
بالسُّخامْ..؟!
كان اليمامُ بيننا،
وكانتِ الأزهارُ في شُبّاكنا،
وكان في أعصابنا الفتونُ،
يزدهي مدلَّلَ المقام والقوامْ...!!
«هدباءُ» تلك حالُنا
- في موسم الهلاكِ -
هل تليق بالجميل حالُنا
وهل يطيق جسمُك الوريفُ
أن يُواسد الرَّغامْ...؟!
(2)
شجرٌ يُودِّع نهرَه، ويَغيم في فُلْكٍ بعيدَهْ..
يبكي سقوطَ سِوارِه الفضيِّ،
في الطمي اليباسِ،
يشتكي من بؤس ضَفّته البليده..!
لم يبقَ غيرُ قرنفلِ الكلماتِ،
في جوف الخوابي هائماً
هل تَرتعين، وتكتسين، وتغتذينَ،
وتَقنعين بخمر ما تركتْهُ،
في دمك، القصيده..؟!
«وضّاحُكِ الذهبيّ» غَلَّسَ
في جذور كرومه، نشوانَ،
يُنشد راعفاً غُصَصَ المهالكِ،
بعدما فصدتْ وريدَه..!!
«هدباءُ» أسوأُ ما لديك الشكُّ،
في قمر اليقينِ،
وأنتِ نجمتُه الوحيده..!!
لكِ مجدُ جمجمتي، وصادقُ ما أُجِلُّ،
من الرغائب والهوى المطعونِ
رغمَ جموحِ نزوتك العنيدهْ.
(3)
مُتَّهمٌ، تُدينه وشايةٌ واهمةٌ،
تالفةُ الجذور والفروعِ
ليستْ «جنحةً» طارئةً،
فكيفُ زُيِّنتْ وطُوِّبتْ «جنايةً»،
ظلومةَ القِصاص، فريةً هزيلةَ الضميرِ.
هل تُصدّقينها وتَفتِكين بالحبيبِ،
- سيفُكِ العنادُ، يا بهيّةَ الحضورِ -
أنتِ تعرفينني خصيمَ كل خائر وآفكٍ
أتسرفين في اتّهام موقفي النزيهِ؟
لا.. ولا أُبارك الرضوخَ من فراشةٍ
هل تقبلينَ أنتِ، ذلّة البريءِ؟.
والبريءُ عاشقٌ،
تُضيء كبرياؤه الدجى البهيمَ.
حَسرتي على الهوى المضاعِ،
في غمامةٍ.....
أبَعْدَ هذا الغدرِ من جريمة موصوفةٍ.
هل يطلب المقتولُ عفوَ قاتليه..؟!
منهزماً، مطأطئاً، حيالَ ما يطيش من رصاصك السفيهْ..!!
أم أنّها إرادةُ الحياةِ،؟
في صميمه بهيرةٌ.
تُشكّل الفصولَ والجهاتِ:
من نسيجها لحمتُهُ،
ومن سَداه نسجُها.
قميصُها، ينضوه عن إهابهِ،
لكي تعودَ نكهةُ التكوين ترتديهْ..!!
(4)
مَشنونُ خمرك من طليل دمي.
تُرى تتجاهلين تألّقَ الإرعاشِ،
في قبو «الرصيفِ»
زمانَ أنتهبُ الرصيفَ
- إذا جفاكِ - من الرصيفْ..؟!
تتلمّظينَ بقهوة الصبح الحنونِ،
وتنفثين ضياء تبغكِ
تنعمين بدفء عريكِ.
تنتشينَ بدمع خافقكِ الوجيفْ..!!
ستّونَ. أزحم بابَها،
بجسارةِ النمر الطعينِ
وفطنة الهرّ الأليفْ..!!
ستون لما تكتملْ،
في دورة الفََلك القصيِّ.
محصّناً، ألهو بتلويناتها،
بحصار «عَشْر جهاتها»
ونُفور أسئلة الخريفْ..!!
شقراءُ، خيرُ رضاكِ،
بين مخالب الغرباء مبثوثٌ.
وجارتُنا يُزنّرها انكسارُ اليُتْمِ،
تخجل من مراودة الرغيفْ..!!
«سقط النصيفُ».. وليتني لم ألتقط ذاك النصيفْ..!!
(5)
سأَلتْني عنكِ نساءاتي،
بفضول الغيرة والحُمّى.
أو مجنون السُّخْر الأعرجِ.
أو للتشهير المبذول لفضح الناسِ.
وكانتْ أسفَهَهنّ فظاظةَ أسئلةٍ،
طالقتي في الزمن المرجوم «زَليخهْ»..!!
كانت حرباً صاخبة، كاظمةً.
ترفع في وجهي سيفاً،
من حقد الحسّادِ،
وتُرْساً من أهداب الغارْ...!!
إحداهنّ اقتربتْ نصفَ الفرسخِ،
من إدراك السرِّ المدلجِ.
لكنْ غضَّتْ عينَ بصيرتها،
وأراحتْ جمرَ تقصّيها،
من معرفة التفصيل المرهقِ.
أرخَتْ حبلَ هدايتها
«لله» العارف بالجهر، ومكنونِ الأسرارْ..
كانت «هاؤكِ» تفتح قوسَ الأحرفِ،
تتلوها «هاءٌ» تحضن ذريّتَها،
تسبقها لتُغلِّقَ ثغرَ القوسِ،
«.....» وتنتظر الإبحارْ...!!
«هاءُ» اسمِكِ هل رُسِمتْ،
بعصير الزهر الناضرِ،
فوق شفاه الشُّرُفاتِ.
أَمِ أنْوشمتْ بلهاث النارْ..؟!
ما همَّكِ، تأتزرينَ بحُسْنكِ،
تنتقبين بندف ثلوجكِ،
تغتسلين بعطر غديركِ،
ترتاحين لزيف هشاشة إطراءاتٍ،
سيّئةٍ، متباينة النيّةِ،
حُبلى بالوهم، ارتحلتْ،
في ذاكرة الأطيارْ....
أدري.. قبلي، لا مخلوقٌ،
ولَجَ الغار المرصودَ،
وبعدي، لا أدري أفواجَ الزوّارْ...
حاذرْ يا من خوَّضتَ
وُرمتَ الخوضَ،
بأحواض العشّاقِ.
أمامكَ دوّاراتُ رمالٍ.
والأرضُ البيضاء سبيخه..!!
(6)
نعيمُكِ، هذا الجحيم المداجي،
تربّعَ في سُرّة النبعِ،
لظّاه.... يا ليته نَشَّفَهْ..!!!
فلن أستجيب لعزف الجراحِ،
ولا.. لن أجيبَ،
على أيّ سائلة أو سؤولٍ،
بإيماءة، أو ببنت شَفَه...!!
فعشقي صدوقُ المناراتِ،
ما عكّرتْ صفوَ لألائه الشعوذاتُ،
ولا موّهتْ عُريَه الزخرفه..!!
أنا راحلٌ عنكِ،
صوبَ هلاكٍ جليلٍ.
وملءَ كياني،
«أحبُّكِ» مدَّ الزمانِ،
وأرجو لأيامك المقبلاتِ،
هناءةَ بحبوحة العزّ والهفهفه..!!
يليق بك العزُّ يا مترفَه..!!
(7)
قد يعود القطا
- ذاتَ برقٍ -
يفتشّ عَنْ عُبِّ أشجانهِ.
قد تعود، بصحبة أفراخه، ظبيتي الغاليه..!!
تلك من رحتُ أبحثُ
- في ملكوتكِ -
عن ظلّها الذهبيِّ،
أُنضِّره من شحوب الولاداتِ،
أضفره تاجَ عشق رغيدٍ،
أطوف به في خضيل المسافاتِ،
بدءاً بحاكورةٍ في الحضيضِ،
صعوداً إلى مُتئمات بساتينك العاليه..!!
قد تعود.. وها هي عادتْ.
فأَوْشكَ يخرس قلبي.
شهقتُ، وقبّلتُها قبلتين مُلَهوجَتيْنِ،
على مشهد أدهش العابرين. وما هَمَّ.
أصبحتُ في جاذبيّة أرض سوى الأرضِ.
يا وردُ، باشَرَ نبضي يُتأتىءُ:
ماسَ كعنقود جمرٍ،
على عنق الداليه...!!
ربما - ذاتَ عاصفة - ترجعينَ..!!
يطير بك العشقُ،
صوبَ منابعه الدافقاتِ.
ولكنني غائب عن حفاوة عينيكِ:
أشرعتُ ساريتي، ورسوتُ بعيداً،
تُؤجّجني شهوةُ الكشفِ،
في الجزر الخاليه.....!!
(
صاعداً، كلُّ شيءٍ،
تلاشى الهوىنى، الهوينى...
هنا في براري الجليدْ..!!
هادئاً، كلُّ شيءٍ،
تثاءبَ تنهيدةً،
باسطاً كبرياءَ الجنى،
في فم الأُفُق المدلهمِّ،
حزيناً إلى غاية المنتهى:
مثلَ فهد عجوزٍ،
توسّد كفّيه واختار جرحَ الوصيدْ..!!