الصّورة و الأصل - فيصل خليل

(1)
ملتمعاً..
في برك الماءِ
وممتدّاً خيالُهُ
إلى الرصيف
وكلما حاولَ أن يقطفَ
غيمةً
أو. . وردةً
تبللت يداه
وفككت جملتهُ
سنابكٌ
تخوضُ في المياه
وحارَ..
كيفَ يستردُ وجههُ
النظيفْ..
(2)
خمسونَ شاحنةْ
مرَّتْ أمامَ البابْ
خمسونَ شاحنةْ
بالقمح،
والنبيذِ ،
والزبدةِ ،
والأغراب !
خمسونَ شاحنةْ
وشارعٌ يملؤُه الضَّبابْ
وكلُّ ما ينالُهُ
موعظةٌ في النحو والإعراب
وكانَ كلَّ ليلةٍ
يجلس عند البابْ !
(3)
يسألُ :
كيفَ النّبعُ،
بالدُّعاءِِ،
لا يفورُ
والأشجارُ لا تخضرُّ
والنِّساءُ ،
بالنُّذورِ ،
لا تجيءْ ؟
وكيفَ لا تُمطرُ، في الصباحِ ،
قهوةً
وفي المساء عنباً
براءةُ البريء ؟
يسألُ :
ماذا تفعلُ الجرأةُ بالجريءُ ؟
(4)
ولم يكنْ
ينتظرُ الشُّرفةَ
أو..ينتظرُ الأزهارْ
ولم يكن ينتظر التفاتَةَ الزُّرقةِ
فيما يُشبهُ النهارْ
ولم يكن يحلمُ بالنجومِ ؟
والأقمارْ
أرهقهُ انتظارُهُ
وكانَ يومُهُ ككلِّ يومْ
يُقنعهُ
بأنَّهُ يعيشُ كالصبّارْ
وكانَ مثلَ كلّ يومْ
يُرهصُ بالتكرارْ
وبارتداء معطفِ اليوميِّ،
والوهميِّ
والموتِ. .
بلا إنذارْ !
(5)
واعتاد أن يُصغي إلى المذياعِ
أو. . يُشاهدَ التّلفازَ
أو يقرأَ في الجرائدْ
وكانَ لا يعجبُ :
كيف ، هو ، نفسهُ
لا غيرهُ
يُدعى إلى الموائدْ
ويحتسي النَّبيذ
من مختلفِ المكائد
وكانَ لا يعجبُ
كيف هو نفسُهُ
يكونُ المشهدَ ،
والشاهد ،
والمشاهد !
(6)
يذكرُ أنّهُ
أنذرهم بالعصفْ
يذكرُ أنَّهُ
أنذرهمُ
بنومِ أهلِ الكهفْ
يذكرُ أنَّهُ
أنذرهم بالبيع والشراءْ
وكلِّ ما يصلحُ للعبيدِ ،
والإماءْ
يذكر أنّهُ
أنذرهم ببذلة النّادِلِ
أو..بضحكة السمسارْ
يذكرُ أنَّهُ
أنذرهمْ
بهربِ الأشجارْ
وبأزدهار الموتِ..
لا..في الليلِ
بلْ..في وضحِ النَّهارْ
(7)
وكانَ..لا يجهلُ
كم ترتفعُ الأسوارْ
وكانَ لا يجهلُ
كيفَ يفهمُ الذبيحةَ الجزَّارْ
وكانَ لا يجهلُ أنَّهُ
يلعبُ بالدُّخانِ
أو بالنَّارْ
وأنَّهُ..
مُسعَّرٌ في السوقِ*
كالبقول ،
والقرفة ،
والبهارْ
وأنَّهُ يُعْلَفُ
كي يُؤكَلَ كالخروفْ
أو..يُساقَ كالحمارْ
وأنه. .
وكلَّ من يحبُّهُ
يعيش تحت رحمةِ السمسارْ..**
(8)
- تدور..
قال :
- الأرضُ لا تدورْ
الدَّهرُ لا يدورْ
والأرضُ لا تدورْ
فلمْ تزلْ مطرقةٌ
تهوي على سندانْ
ولم يزل بينهما إنسانْ
الأرضُ لا تدور
ولم تزل يحكمها نقدٌ وصولجانْ
وساحرٌ يقرأُ في الدخانْ
وحاجبٌ..يُصرِّف الأمورْ
الأرضُ لا تدور
والقتلُ قطبها الذي
في كلِّ لحظةٍ
يُمعنُ في الظُّهرْ
......
وكانَ مؤمناً
بأنَّها تدور. .
(9)
وكانتِ الأزهارُ تختفي
لتظهرَ الأشواكْ
وكانتِ الظِّلالُ
تستلقي
بلا حراكْ
و. . هربتْ من فوقهِ سحابةٌ
كأنها تفرُّ من عراكْ
وربما ارتمتْ هناكَ خطوةٌ
وعبرتْ سيارةٌ..هناك
وكانَ كلُّ شيء
يديرُ ظهرهُ لكلّ شيء.
_____________
* السياق يتجاوز المعنى الاقتصادري الظاهر "الشاعر"
** تجدر الاشارة إلى أن الدول كالبشر تباع وتشترى في ظلّ هيمنة القطب الواحد.( الشاعر).