إسراءٌ إلى صَلَوَاتِ الرُّوْح .. - قحطان بيرقدار

وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ‏
فاذهبْ أنتَ وما يَعُروكَ‏
مِنَ الذَّوبانِ على أعتابِ الطيفِ‏
إلى المعسولِ مِنَ الأحلامِ..‏
ولا تَتَأخّرْ في تمويهِ الحزْنِ‏
بِغُرْبةِ أفراحِ الأطفالِ‏
أمامَ عُبوسِ الشمسِ‏
وزَمْجَرَةِ الْقمرِ المحروقِ..‏
فما لي مِنْ عَتَبٍ أُلقيهِ عليكَ‏
وَلَيْسَ عليكَ مِنَ التكليفِ‏
سَوَى التَّلْطِيفِ‏
هُنَا فِي جَوِّ الأَبْخِرَةِ السَّوْدَاءِ‏
تَجَلَّدْ يَا صَوتَ أَنَايَ!‏
تَأَبَّدْ فوقَ الأفلاكِ‏
وَمَا يَتْبعُهَا مِنْ سُحُبِ الْمَجْهُولِ..‏
أَمَامَكَ تَلْهَثُ آفاقٌ..‏
وصُدورٌ تَزْفِرُ مَا يُنْعِشُ كُلَّ الأحياءِ..‏
وأنتَ الحيُّ..‏
بما أُوتيتَ منَ الشَّغَفِ الْفِطْرِيِّ‏
بِمَاءِ الْهجرةِ..‏
هَاجِرْ حتّى تَهَبَ الأرضُ لكَ الْمَحْجُوبَ‏
مِنَ الْمَكْتُوبِ..‏
وحتّى يَنْبَسِطَ الْمُتَرَاكِبُ‏
مِنْ أيّامِ الحُبِّ..‏
وتبكي كُلُّ عُيونِ الْحُسْنِ‏
قصائدَ رُوحِكَ..‏
لاَ تَتَأخَّرْ في تَمْويهِ الحُزْنِ‏
ببعضِ الزُّخْرُفِ..‏
حانَ الوقتُ لكي يبتسمَ الكونُ‏
لدى إشراقِكَ‏
مِنْ عَيْنَيْ سمرائِكَ‏
تلكَ الجَذْلى‏
رغمَ أنينِ سَنَابِلها في الليلِ..‏
ورغمَ بُكَائِكُمَا الْمُتَواصِلِ في الأعيادِ..‏
تَرَاهَا تَحْمِلُ مَا يترامى‏
مِنْ كُثْبَانِ جُنُونِكَ‏
في لحظاتِ عويلِ الأعصابِ‏
وخَوْفِ الفاقدِ‏
أنْ يَتَمَادَى عَطَشُ الْفَقْدِ‏
فيغرُفَ آخرَ جُرْعَةِ ماءٍ‏
فِي جَوْفِ الإحساسِ‏
فَيُلْقَى كالمنبوذِ على أرضِ الْخُسْرَانِ..‏
تَراهَا تَرْفُو مَا يَتَشقَّقُ‏
مِنْ إِسْتَبْرقِ حُبِّكُمَا..‏
وتُذَهِّبُ مِنْ جَدْوَلِ بَسْمَتِهَا العيشَ‏
فَتَزهُو بينَ الليلِ ومَا يَتْلُوهُ‏
جميعُ خلايانا وتُصفِّقُ‏
لِلْخَدَرِ الحيويِّ‏
يَفيضُ على الرُّوحِ الْمُنْسَابةِ‏
حتّى آخر قَصْرٍ في أعماقِ البحرِ‏
تُعانقُ فيهِ الحُوريّاتُ مَصَائِرَهُنَّ..‏
ولا يُكْثِرْنَ مِنَ الإعراضِ عنِ الملهوفِ..‏
يَزِدْنَ البحرَ مُسَالمَةً للنَّاسِ..‏
يُعِدْنَ السُّفُنَ‏
يُعِدْنَ الْمُدُنَ‏
إِلَى الأصحابِ..‏
يَقُلْنَ الشِّعْرَ..‏
وَيَذْكُرْنَ التَّاسعَ مِنْ شهرٍ ميلاديٍّ‏
حيثُ تَأَرَّجَ منكَ الشَّوقُ‏
فَرُحْتَ تَحُثُّ العامَ الثالثَ مِنْ ذِكْرَاكَ‏
لِيَجْرِي بِخُطَاكَ إِلى المولودةِ‏
تبكي مَعَها بضْعَ هُنَيْهاتٍ‏
وَتُسَافِرُ وحدَكَ..‏
تَسْكُنُهَا..‏
وَتُراكِمُ خلفَكَ مِنْ أيّامِ التَّوْقِ‏
أنيناً وقصائدَ لا تَتَخلَّى‏
عَنْ تسبيحِ اللهِ بوجهٍ‏
يَخْلُقُ في فَلَواتِ شُعُورِكَ‏
سِرْبَ فراشاتٍ وحمائمَ‏
هامتْ في عَبَقِ الأسْرَارِ‏
وإيقاعِ الأملِ المُتَوقِّدِ بينكُمَا‏
منذُ حُلُو لِكُمَا بَدْرَينِ‏
لِشمسٍ واحدةٍ في فَلَكِ الحُبِّ..‏
وها قَدْ عُدْتَ إليها الآنَ‏
وَقَدْ عادتْ تلكَ المولودةُ‏
حاملةً كُلَّ الْمُتَمَنَّى..‏
فَلْتَهْنَأْ فِي رَشْفِ الْمَعْنَى..‏
وَلْتشكُرْ مَنْ فَاضَ عليكَ‏
وَجَلاَّهَا مَا بينَ يديكَ‏
وَأعْطَاهَا بَسْمَتَهَا الْوَسْنَى..‏
حَتَّى تُخْضِعَ مَنْ يَتَمَرَّدُ فِي مملكةٍ‏
منذُ ابتدأَ العالمُ تُبْنَى..‏
كانتْ تَنْسُجُ ثَوْبَ حَنينِكَ‏
تَفرِشُ سَجَّادَ الْمَعْسُولِ مِنَ الأحلامِ‏
تُهَيِّئُ مَأْوَى لأَمَانيكَ..‏
وتُعْلِنُ فِي التَّاسِعِ مِنْ شهرٍ ميلاديٍّ‏
لِمَرَايَاهَا أَنَّكَ آتٍ‏
بعدَ هيامِكَ فِي غاباتِ الْفِتْنَةِ‏
وَتَنَاسِيكَ العامَ الثَّالثَ مِنْ ذِكْرَاكَ‏
وَقَدْ أغراكَ نَدَاهَا الأسمرُ‏
يومَ نَهاكَ عنِ الجَرَيانِ‏
إِلَى الصَّحْرَاءِ لِتَهْلِكَ فيها..‏
كَانَتْ تعرفُ مَا يُنْجِيكَ‏
وَمَا يُبْقيكَ على قيدِ اللغةِ الشِّعْريّةِ‏
وَالإِسْرَاءِ إِلَى صَلَواتِ الرُّوحِ‏
أمَامَ الأَحْرُفِ‏
كي تَتَخَلَّقَ جَنَّاتٍ وَعَذَارَى‏
يَبْدَأُ مِنْ وَرْدِ ضَمَائِرِهنَّ الْعَيْشُ‏
وَيُخْتَتَمُ الْقَلَقُ الْمُتَراكمُ منذُ وُجُودِكَ..‏
كَمْ يَتَأَرَّجُ مِنِّي الشَّوْقُ‏
لأَعْرِفَ أكثرَ مِمَّا أعرفُ‏
عَنْ ميلادِكِ فِيَّ..‏
وَعَنْ سَفَرِي مَا بَيْنَ يديكِ‏
إِلَى عينيكِ لأُولَدَ ثانيةً‏
وَأَموتَ لأُولَدَ‏
أكثرَ نُوراً وَحِكَايَاتْ!..‏