خَمْسُ لَوْحَاتٍ لإِنْسَانٍ يَتَألَّم .. - قحطان بيرقدار

1 ـ ظُلْمُ الحياة
مَلَلْتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَأَتَعَبَتْنِي
مَنَاظِرُهَا وَأَدْمَاني أَسَاهَا
وَأَذْهَلَنِي تَقَلّبُهَا مِرَارَاً
وَعَذَّبَنِي الْخُضُوعُ لِمُبْتَغَاهَا ..
مَلَلْتُ وَصَارَتِ الأَيَّام قَشَّاً
يُبَعثرهُ وَيَسْحقُهُ هَوَاهَا..
وَصَارَ الْعَيْشُ مِثْلَ الْمَوْتِ عِنْدِي
وَمَا عَادَتْ تُؤْرقُنِي رُؤَاهَا..
فراغٌ كُلُّها.. قَلقٌ وَسُخفٌ
بما ظلمتْ بِمَا قتلت يَدَاهَا
مَلَلْتُ وَلَسْتُ أَطْلُبُ مِنْ مزيدٍ
وَيَكْفِيني النُّحُول أَمَا كَفَاهَا ؟ !
حَيَاتي ليس تُشبهها حياةٌ
وَبَحْرُ مواجعٍ يبقى مَدَاهَا
* * *
2 ـ الذئاب
ذِئَابٌ حَوْلَنا.. وأنَا بطبعي
رفضتُ أكونُ مِن بينِ الذِّئَابِ
رَفَضْتُ الْعَيْشَ فِي الْغابَات أعدو
وأَنْهَشُ فِي الْقُلُوبِ وَفِي الرِّقَابِ
وَأَهْضمُ حَقَّ مسكينٍ شريدٍ
يكدُّ ولا يرى غير الضَّبَابِ
وأَنْثرُ رِيشَ عصفورٍ يُغَنِّي
لِشمس الصُّبْحِ مِنْ بَعْدِ الْغِيَابِ
سَئِمْتُ زحامَهم فِي كلِّ وقتٍ
أمَا سَئِمَ الطَّرِيق مِنَ الْكِلابِ
أَنَا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِكَلْب صَيدٍ
تُضرّجُهُ الدِّمَاءُ بِلا حِسَابِ
أَنَا بَشَر وَمَا لِلْذِّئِب عندِي
إذا استعدى عليَّ سوى الحِرَابِ
* * *
3 ـ السِّبَاق
وَأَصحابي، وَأَينَ هُمُ صِحابي؟
لقد ماتوا.. وما أَحَدٌ بِبَاقِ
وَكُنَّا فِي زوارقنا ركبْنا
وَبَينَ الموج خُضْنَا فِي السِّبَاقِ
فداهَمَنا هياجُ البحر هَوْلاً
مُرِيعاً فانقضى زَمَنُ التَّلاقي
وَفَرَّقنا العبابُ على المنايا
وَمِنَّا مَنْ نَجَا وَاللهُ واقِ
وَلَكنِّي وَمَوجُ الْبَحْر يَعلو
ظَللتُ بِمُفْرَدِي بَعْد الفراقِ
أُنادي الصَّحْبَ حَتَّى ينقذوني
فما سَمِعُوا.. وَسَرَّهُمُ اختناقي
فأدْرَكتُ الحقيقةَ بعد حينٍ:
لقد متُّمْ جميعاً يا رِفاقي..
* * *
4 ـ ضياع الحبيبة
وَمِنْ آياتِ إِخفاقي وبؤسي
ضَياعُ حبيبتي وَضَياعُ أُنْسِي
وَمَوتُ سعادتي وفَنَاءُ روحي
وَقَهْرُ مشاعري وعذابُ حِسِّي
لقد كنَّا نعيشُ الحبَّ دوماً
بِكُلِّ حَمَاسَةٍ وَبِكُلِّ جَرْسِ
وَنَحْلُمُ بِالْنُّجُومِ وَبِالأغاني
وَنَحْيَا دَائِمَاً فِي جَوِّ عُرْسِ
وَنُزْهِرُ فِي الْخَرِيفِ رَبِيعَ أُنسِ
وَفِي الآصالِ نُشْرِقُ مِثْلَ شمسِ
إذَا لاقيتُها يزدادُ حظِّي
وَإِنْ فارقتُهَا قَابلْتُ نحْسي
لَقَدْ غابتْ وَخَلَّتني وحيداً
سِوَى مِنْ غربتي وظلامِ يأسي ..
* * *
5 ـ زمن الهموم
أنا زمنٌ طويلٌ من همومٍ
أدورُ مُجَزَّءَاً بين الأنامِ
أدورُ وفي ضميري نبعُ شِعْرٍ
وَلَكنْ مَنْ يُفتِّشُ عَنْ كلامي ؟ !
أدورُ ولا أرى أحداً يراني
وأبقى غائباً تحتَ الحُطَامِ
وَأَبْقَى ثائِراً مِنْ غير صوتٍ
فصوتي ضائعٌ بينَ الزحام
تعبتُ من الحديثِ إلى صخورٍ
ومِنْ بَثِّ الشكيَّةِ للظلامِ
ومن قَتْلِ الرجاءِ بغير حقٍّ
ومِن ذبحِ الطموحِ على الرخامِ
تعبتُ من الحياةِ وضاقَ صدري
بِمَا يلقاهُ مِنْ مُرِّ السّقامِ ..