أُغْنِيَةٌ لِرَبِيْعٍ آخَر .. - قحطان بيرقدار

أُسَرِّحُ نَفْسِي قليلا ..
لِتَلْقَى الرَّبِيعَ فَيَرْشِفَهَا
في الطَّرِيقِ الجَدِيدِ
وَيَجْعَلَهَا كَالْحَمَامَةِ
تَنْقُرُ حَبَّ القَصِيْدِ
وَتَهْدِلُ حتَّى تُجَنَّ
هَدِيْلاَ ..
*
هَوَاءٌ لآذَارَ يَبْدُو ثَقِيلاَ
وَيَتْرُكُ آثَارَهُ فَوْقَ جِلْدِي
رَحِيْقَاً
وَحُزْناً ..
وَصَوْتُ البَعيدِ يُنَاشِدُني
كي أُعَتِّقَ خَمْرِي
وَأَدْلُقَهَا في دُرُوْبِ الحَنِينِ
لِيُصْبِحَ وَجْهُ الفَنَاءِ جَمِيلاَ ..
*
وَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيْبُ النِّدَاءَ المُعَطَّرَ
قَبْلَ النِّدَاءِ ..
ولا أَتَخَيَّلُ
أنّي تُرَابٌ
تَطَاوَلُ مِنِّي القَصَائِدُ
حَتَّى تَصِيرَ نَخِيلاَ !..
ولا أَتَخيَّلُ أَنِّي مَجَازٌ
وَحُبُّكِ فَجَّرَ فِـيَّ الحَقِيقَةَ
حَتَّى حَمَلْتُ المَجَرَّةَ
تَقْطُرُ مِنْهَا الشُّمُوسُ ..
وَتَسْكَرُ فيها النُّجُومُ ..
ولا أَتَخيَّلُ أَنِّي سَأَغْفُو قليلا !..
*
أنا جَسَدٌ ثَابِتٌ في الزَّوَالِ ..
أُقَلِّبُ أَوْرَاقَ هذا الرَّبِيعِ
وَأَقْرَأُ فيهِ مَآلي ..
وَأَفْتَحُ
بَابَاً على الخَوْفِ ..
باباً على اليَأْسِ ..
أَفْتَحُ
بابَ المُحَالِ ..
كَثِيفٌ هُوَ الصَّمْتُ ..
بَوْحُ الطَّبِيعَةِ لُغْزٌ يُحَيِّرُ ..
حَلَّ الظَّلاَمُ ..
وَأَقْفَزَ دَرْبُ الخَيَالِ ..
*
هُنَا في مَسَاءِ الرَّبِيعِ
صَبَاحٌ يُطِلُّ على كَائِنَاتي
التي أَحْتَوِيْهَا ..
وَيَجْعَلُ نَبْضِي
يُوَزِّعُ نُوْرَاً على الجَائِعِينَ
إلى النُّورِ
فِيَّ ..
أنا لا سِوَايَ
أُعَانِقُ صَحْوِي ..
وَأُطْلِقُ شَدْوِي
كَنَهْرٍ يُحَلِّقُ تَحْتَ الْجِنَانِ
وَيَسْكُبُ فَوْقي الحَيَاةَ
وَيَمْسَحُ عَنِّي الغَلِيلاَ ...
وَوَجْهُكِ يَحْضُرُ
حَتَّى يُغَيِّبَ وَجْهَ النِّهَايَةِ
حِينَ أَكُونُ عَلِيلاَ !..
*
وَلَسْتُ بعيداً ..
ولكنَّ أُغْنِيَةً لِلْحَيَاةِ
تُرَسِّخُنِي في الوُجُودِ البَعِيدِ
وَتَرْفَعُ عَنِّي الْحِجَابَ
لأَكْشِفَ ما قَدْ تَوَارَى ..
وَأُخْرِجَ مِنْ مَنْجَمِ الرُّوْحِ
جَوْهَرَةً لِلتَّلاَقي
وَجَوْهَرَةً لِلْخُلُودِ ..
أَنَا المُنْطَوِي في ظِلاَلِ المَعَاني
على صَهْوَةِ الكِلْمَةِ المُشْتَهَاةِ
غَمَرْتُ السَّمَاءَ صَهِيْلاَ ..
وَلَمَّا غَرِقْتُ
تَأَكَّدْتُ أَنِّي
اشْتَعَلْتُ بِمِصْبَاحِ رُوْحِي
فَتِيْلاَ !..