في آخِرِ الأَعْلَى المُضِيء .. - قحطان بيرقدار

لا شيءَ يُذْكَرُ..‏
رُبَّما سَئِمتْ حُروفيَ منْ تَنَاسُلِهَا‏
وناشَدَني الغيابُ بأنْ أعودَ‏
لأَشْهَدَ الزلزالَ والموتى‏
وأنقاضَ الحنينِ..‏
ـ أَلَمْ تَرَ الأَهْوالَ بَعْدُ ؟!‏
ـ بَلَى.. ولكنِّي أُكابِرُ‏
عَلَّني أَحْظَى بِمَنْ يَسْمُو معي‏
فوقَ الخُرافَةِ والفَراغِ..‏
الوهْمُ باخرتي السجينَةُ..‏
مَنْ يُحَرِّرُني‏
لأَعْبُرَ مِنْ مَضيقِ العالَمِ السُّفْليِّ‏
نحوَ عَوالمِ اليَخْضُورِ والنَّهونْدِ؟!.‏
هذا هَاجِسِي القَدَرِيُّ دَوْماً‏
لا عُيُونُكِ..‏
فَاذْهَبي‏
حتّى أُتابِعَ رِحْلَتي‏
في آخِرِ الأَعْلى المُضِيءِ..‏
هُناكَ لي منْ شهرزادَ جَميعُها‏
لا بَعْضُها..‏
يا شهرزادُ تَخيَّلي وتَخَيَّلي‏
لِيَظَلَّ نَبْضُكِ يُطْرِبُ الأكوانَ..‏
وَانْسَجِمي معي..‏
وَتَقبَّلي‏
وَرْديْ على ما فيهِ منْ قَطَراتِ ذِكْرَى‏
أَرْجِعي‏
لي ما فَقَدتُ..‏
وأَبْعِدي عَنِّي جَميعَ العَاقِراتِ..‏
هُناكَ لي منها امتلاءُ جَدَاولي‏
بِزُلالِها‏
لا بالتُّرابِ..‏
وأنتِ باعِثَةُ السَّرابِ‏
وَلَدْغَةُ الفَشَلِ اللذيذةُ..‏
أنتِ آخِرُ رحلةٍ لي في غَبَاءِ الشَّوقِ..‏
عَلَّمَني التَّطرُّفُ في غُمُوضِكِ‏
أَنْ أَزِيدَ تَلأْلُؤَاً في الليلِ..‏
أنْ آوي إليها‏
هارباً منْ كُلِّ ما يدعُو إلى الموتِ المُباشرِ..‏
ـ كيفَ حالُكِ ؟‏
ـ لمْ تَزَلْ مَعْنَايَ مهما زادَنا‏
التعقيدُ بُعْداً..‏
والذي عِشْنَاهُ لا نَنْسَاهُ..‏
لا تَعْشَقْ سِوايَ لكي يَظَلَّ لديكَ‏
دَاعٍ لي‏
إذا أَحْسَسْتَ يوماً بِانْقِرَاضِ الصُّبْحِ..‏
أَخْرَجَنا الرَّجِيمُ عَنِ الصِّراطِ‏
لِنَحْتَرِقْ فَرِحَيْنِ في جَنَّاتِ غُرْبَتِنَا..‏
أتينا طَائِعَيْنِ لِعَابِثٍ فينا‏
فَعَرَّفَنا علينا منْ جديدٍ..‏
غيرَ أَنَّ جُنُونَكَ البَريَّ قَدْ أَضْحَى مُخِيفاً‏
لِلنَّوارسِ قُرْبَ شُطآني‏
وعِطْرَكَ غَيَّرَ الإيقاعَ..‏
غَيَّرَني..‏
وَحَرَّفَ قِصَّتي مَعَهُ..‏
اسْتَعِدْني منْ ذُرَى غَرَقي‏
وَأَفْرِغْني مِنَ اللاشيءِ..‏
شَكِّلْني كما في المرَّةِ الأُولى‏
رأيتَ عَرائِشي..‏
والدَّمْعَ في عَيْنيْ‏
وَضَعْفي وَانْسِكَابي..‏
رُبَّما سَئِمَتْ حُرُوفُكَ منْ تَنَاسُلِها‏
لأِنَّكَ قَدْ سَئِمْتَ مِنِ اقْتِرَابي...‏
وأنا امتلأتُ إلى نهاياتي بِنَارِكِ‏
أو بِكَوثَرِكِ الحنُونِ..‏
تَكَاثَرْتْ حوليْ حَسَاسِينُ الغَرابةِ‏
فَانْطَفَأْتُ على يديكِ‏
كأَنَّني المِصْبَاحُ..‏
جَفَّ الزَّيْتُ يا زيتونَتي في اللا مكانِ..‏
تَرَكْتِني‏
حتَّى تَوَقَّدَ ظِلُّنَا باللهِ في المُسْتَقْبلِ الماضي‏
فَجَاءَ لِيَجْمَعَ المُتَغرِّبَيْنِ‏
على سُهُولِ النُّورِ فيهِ..‏
ويَبْدَأَ الزَّمَنَ الطَّرِيَّ..‏
الحُبُّ باخرتي الطليقةُ‏
والقَصَائِدُ حولَها تَسْعَى‏
لِتَسْكُنَ بينَنَا فيها‏
أَنَا لي أنتِ لا دُنْيا ضَبَابي..‏
يا شَهْرزادِيَ رُبَّما‏
سَئِمَتْ حُرُوفيَ منْ تَنَاسُلِهَا‏
لِبُعْدِكِ عَنْ غِيَابي..‏