لوحة الوداع الأخير - قمر صبري الجاسم

" لوحة الحساب الأخير للفنان مايكل أنجلو
تجمع بين شعوري السعادة و الرعب "
***
محترقٌ هذا اليومَ
أحسُّ بأن الفجرَ
أفاقَ على صوتِ الديكِ
الصاحي في قلبي أبداً
صَحَتِ المئذنةُ البِكْرُ
على أصواتِ الأجراسِ
الـ " دقّتْ " في خوفي
أقرأُ قصةَ شوقي للغائبِ عني
و ألمُّ ضفيرةَ أحلامي
كي لا يبترها السيّافْ
ألسيّافُ أراهُ أمامي دوماً
في أثوابِ الشمسِ
و زقزقةِ الكلماتِ الذكرى ,
في أكمامِ أصابعِ لمستِهِ
الـ " أخذتْ" خاتمها معها ,
و بقيتُ أنا أنتظرُ المجهولْ
في قمرِ الّدهشةِ
في عنقودِ الحصرمِ , صحنِ الملحِ
و سقفِ البيتِ الـ " عمّرَهُ "
قبلَ بيانِ الدعوةِ للحريةْ
في كلِّ قصائدِ فيروزَ
الـ " غنّتْها " من أجلي
في أقربها مني :
" يا جبل البعيد خلفك حبايبنا "
فأتمُّ القصةَ كي لا يَذبحَ أحلامي
أشعرُ أن أصابعَ أقراصِ الهاتفِ
سُجنتْ مثلي في معتقلِ الجرسِ
شريطِ الأحلامِ الراحلِ نحو الغيبِ
الساعةُ تصطكُّ عقاربها بالوقتِ
كأسنانِ الخوفِ ,
تمدُّ فريستها
نحو الربعِ
الثُلُثِ .. الـ
نحو الموتِ بلا زورقِ قفرٍ يحملها
حيثُ يكون القبرُ ,
و لا يأتي ملَكٌ كي يسأَلَها :
ماذا فعَلتْ فينا ؟
الساعةُ صارت في منتصفِ اللوعةْ
عكازُ البابِ هوى أماهْ
فُتحَ البابُ المقفولُ على لوعةِ أمٍّ
سارَ مع الركبِ الحالمِ
دُرّةَ مَنْ في عقدِ الماسِ لديها
لا شكَّ بأنَّ الغائبَ قدْ عادَ
و لا شكَّ بأن حبيبَ القلبِ أتى ..
و غداً سوف أُزفُّ إليهْ
هيا أمي ..
أصغرُ أخوتِهِ عامرُ
يركضُ ..
و الريحُ بقلبي ترعدُ
قد أغلقَ والدهُ الدُّكانَ
اكتظَّ الحائطُ بالركبانْ
و النافذةُ تدلَّتْ من بينِ الناسِ
تناديني ..
هذي الزغرودةُ نفختْ قلبي
مثلَ البالونِ
و أنتِ وضعتِ العقدةَ
في سرّتِهِ ..
ماذا أفعلُ ... يا ألله ...
- " سيجفُّ عجينُ الكعكِ إذا نحنُ ذهبنا الآنْ " .
و أنا سوف تجفُّ دموعي إنْ لَمْ نذهبْ .
ألحائطُ متَّكئٌ فوقَ بلاطٍ
زُخرفهُ ..
وقعُ الأقدامِ الـ" رَحَلَتْ "
و تحيطُ بهِ أجواءُ
امتزجتْ فيها أنفاسُ المحبوبِ بأنفاسي
أنظرُ نحو الساعةِ
ترمقُني ..
تشعرُ بي ..
تصفرُّ وجوهُ عقاربها
لا تقدرُ أنْ تزحَفَ نحوي ..
فتُصابُ بداءِ رنينِ الأجراسْ
خطُّ الهاتفِ مشغولٌ بحنيني ..
لا يقدرُ أن يتلقَّفَ أيّ مكالمةٍ أخرى ..
أمي مازالت تخبزُ
في فرنِ الكلماتِ حروفي
و أنا أجهشُ :
ميسونُ تمنَّتْ أن يخطبها قبلي ..
قد سبقتني الآنَ لكي تلقاهْ ..
و ثناءُ و هيفاءُ و نجوى ..
سيري بي ..
كي أُفرغَ ما في صدرِ الكلماتِ
قصائدَ لم يسمعْها قطّْ
و أتمُّ حديثي في نفسي
كي لا تسمعني و تنطّْ :
اليومَ سأنزعُ عني ثوبَ حيائي
اليومَ فقطْ ..
لن أمنعهُ اليومَ كما جرتِ العادةُ
من تقبيلي ..
من تمريرِ الثغرِ
على كلِّ مفاتنِ روحي ..
لن أصبغَ وجهي بالحِنَّاءِ اليومَ
و لا بالدهشةْ
سأُكافئُ مقصدهُ الخيرَ
بفاكهةِ الجنةْ
سيُفاجأُ بي ..
أزرعُ فوق الصدرِ العاري
بعد القحطِ
قوامي ..
و لسوفَ أغسِّلُهُ بحنيني ..
لن يغرقَ في عَرَقِ الشهوةِ
بعد اليومْ . . .
أذهبُ كي أُحضرَ للأمِّ عباءتها ..
و أعودُ إلى النافذةِ الـ " دُهشتْ " من صبري :
قافلةٌ مسرعةٌ جاءت تحملُ
" لا أعرفُ ماذا " ..
أماهُ .. ارتجف الشارعُ
غصَّ بـ " يا ألله " ..
................
أماهُ .......الشارعُ يمشي ...
يهتفُ عدنانُ أخي و يقولُ :
سيجلبُ لي ...
طفلٌ ..
لا يعرفُ أن المحبوبَ
إلى بغدادَ رَحَلْ ..
و أنا لا أعرفُ أني
سوف أُزَفُّ ..
إلى روحِ بطلْ .