القبطان - محمد الماغوط

خائن عاقل
أم بطل مجنون؟
بعد أن قلبّت هذا السؤال طويلاً في رأسي واستشرت الأفق
والبحر والأمواج المتلاطمة حسمت أمري وصرخت:
انهض أيها الربان العجوز لقد حان وقت العمل!
وطلبت من مساعدي الشاب مجرفة ورفشاً وقفة أسطورية
فسألني وهو يلبي طلبي على مضض: لم هذه الأدوات أيها القبطان؟
فأجبته وأنا أشمر عن ساعد الجد والعمل: سترى.
*
وأخذت أحفر وأحفر وأغرف ما تطاله يداي من الحكام والملوك
والسلاطين وزوجاتهم وأبنائهم وعائلاتهم وحرسهم وأقربائهم وجيرانهم
ومن التجار والمتعهدين والمقاولين وسجلاتهم وأرباحهم
الوهمية والحقيقية وعلاقاتهم المحلية والإقليمية والدولية
ومن صناديق الاقتراع ونسبة ال 99 و 100 %
وأتباعهم من المعارضين والموالين والجبهات الوطنية المركزية وابن
فلان وفلان على رأسهم أبو سياف العربي والفليبيني وشارات
النصر إياها من مخابئ رام الله
ومن السجون والسياط وأقبية التعذيب والشعارات الطافية في
أحواض الأسيد وكل المحققين والجلادين ومن أفتى لهم من جميع
الطوائف والأديان
وشعراء ومطربي الأعراس والمضافات والكبريهات والمسيرات
والمهرجانات
وخطب وقداديس الجمعة والأحد والأعياد الوطنية والدينية
منذ عام 1948 م حتى الآن
وكل الحمولة التي قضيت حياتي في إعدادها لهذه الرحلة
وصرخت بمساعدي: هيا يا بني رافع المرساة وانشر القلوع
فأجاب محذراً: ولكن هناك عاصفة قوية باتجاهنا
وصرخت مصفقاً وأنا بمنتهى السعادة: لقد قضيت حياتي في
انتظار هذه الحمولة وهذه العاصفة!