أبو محمد - محمد الماغوط

مطرقة ومنجل وعمامة
سنفتح هنا
سنسد هناك
سنحفر
سنطمر
سننكش
سنعزق
سنزرع
سنحصد
وأنت كش الدجاجات
وأنتِ احلبي البقرة
وأنت اسلق الذرة
انزع
اقلع
ادهن
اكنس
الصق
افتح
أغلق
هذا هو أبي في بضعة سطور. يعشق الفرقعة والطقطقة من أي
مصدر كان
ولذلك عندما أسلم الروح: المطرقة بيده والمسامير في فمه
ومدد في تابوت شعبي مستعمل ، انفكحت إحدى خشباته،
فسارع أحدهم وعالجها بالمطرقة، علقت أختي مريم باكية مزغردة:
أبي الآن في قمة السعادة، مطرقة ومسامير من حوله، إنها الجنة التي
طالما عمل وصلّى لأجلها.
وكان الله والربيع في عون الشجر التي يقع اختياره عليها
لتقليمها، إنه لا يبقي على غصن أو نتوء دون أن يعمل به سكينه
وكأنه حلاق سابق في أحد المعسكرات النازية.
وفي يوم من الأيام ظهرت له شامة صغيرة في زاوية جبينه فلم
يبال بها، ولأنه دائماً متفائل لا يعرف البأس ولا يثق بالأطباء فقد
اخترع لها مرهماً من قشور الجوز واللفت وحبة البركة، ويبدو أن هذه
الأخيرة استجابت لإيمانه وانتشرت وغطت جبينه حتى وصلت إلى
الأذنين كأنها مستوطنة إسرائيلية.
وكان يحب صوت سميرة توفيق ويعشق الملح وكأنه ولد في
البحر الميت ويعتبر رغيف الخبز عاصمة الفقراء في العالم حتى لو كان
بدون ملح!
وعاش ومات ودفن في الأرض الخضراء والحمراء كبطيخ قريته
وعلم طائفته.