الغاشية - محمد جلال قضيماتي

غادرتُ حلمَكِ
واغترابُ الطيف يسألني الإيابَ
ولم أَزَلْ
وحدي أطوف على المدائنِ
أسأل الوُرَّادَ
هل تدرون معنى
أن نكونَ
ولا نكونْ..؟
يا أيها الناجون من شَرَكِ انتظار الوهمِ.!
هذا مسكَنٌ للروحِ
أَمَّتْهُ الرَّهافَةُ
فانتمى
...
لبراعم الشوق المهاجِرِ
في مدى الطوفانِ
مأخوذاً
برابعة النهارِ
مُعلِّقاً آمالَهُ
فوق انبهارِ اللَّونِ
يسكنُهُ
ويسفحُهُ
ويكتبُ فوق عارضهِ النهايةَ
ثم يمضي
عبر آزفة المآبِ
يودِّعُ العمر المودِّعَ
ظلَّهُ
وسكونَهُ
ويعودُ
يسألُ دربَهُ
هل نحن في كنَفِ الحقيقةِ
سادرونْ؟
...
سِيَّانِ
حلم الوردِ
أو موتُ الموارِدِ
إن طغى
نَهَمُ التمرُّدِ
وانتشى
ظمأُ التوقُّدِ
وانتهتْ
عبر انزياحِ الوقتِ
قارعةُ الحياةِ
وأقبلتْ
تسعى وراء الزاحفينَ
إلى الضياءِ
أو العماءْ
لكنها..
نار ترودُ الظامئينَ
وتنطفي
فيها الغوايةُ
...
ثم تلْوي جيدَهَا
تحت النصالِ
ولا تبوحُ
بما يشاءُ الدهرُ
إلاَّ أن تقولَ:
أنا انتصبتُ
أنا انتصبتُ
فأقبلوا
فهنا أُخَلَّدُ
قصةً
ورسالةً
تَروي لِمَنْ نَزَفوا الحياةَ
سُلاَفةً
عمّا يكابده المطوَّقُ بالحياةِ
إذا انتهى عند المفارقِ
مرغماً
يدري.. ولا يدري
بأنَّهُ
...
قد يكونُ
وأنهُ
قد لا يكونْ
حسبُ الحقيقةِ
أنّها شَبَقُ التأمُّلِ
والتَّواصُلِ
بين أنديةِ الخيالِ
وبين ساحات الظلالِ
وإن تَكُنْ
أزهارُها عُمْياً
فإنَّ عبيرَها
لا بدَّ ينشرُ ضَوْعَهُ
عبر انهيار الضوءِ
في موتى العيونْ
ولأنّها:
روحٌ
وذكرى
حسبُها
...
تجري على نار الأضالعِ
لا تحرِّقُها
وتدري أنها
من بعد ما سكنتْ كهوفَ الصمتِ
آخِذةٌ زمامَ الوقتِ
صَوْبَ النازفينَ العمرَ
في شَغَفِ القرونْ
فتأمَّلي
شدوَ الأضالعِ
واقرئي
صحفَ الحرائقِ
وانهَلي
من عشبة الصدر الخجولةِ
قصَّةَ المعراجِ
نحو مسافة الحرمانِ
أو فاستغفري
عند الجنانِ
وحاذري
...
أن تُقبِلي
إلا كبارقَةِ الرؤى
أو فانزلي
عبر ارتطامِكِ بالمصيرِ
إزاءَ هاوية الظنونْ
يا قصةَ الإذعانِ.!
هل تأتيكِ
من صدر الطفولةِ
رقصةُ الأجفانِ
أم تأتيكِ
من صدر الكهولةِ
ذَبْحَةُ الوسنانِ
إن هَمَّتْ حوالَيه الغوايةُ
أن تريه الصعب سهلاً
فانثنى
يرثي رؤاهُ
على محطات الجنونْ
ولعلَّ ريحَكِ
...
إن أتَتْ
عمياءِ
سافحةً مدادَ الكحلِ
في عينِ المراكبِ
تستعيدُ
من الطلولِ زمانَها
ومن القرونِ أو انَها
فتجرَّعي
كأسَ انتباهِكِ
واخذلي
من راحَ يرسمُ في طريق الصحوِ
أشرعةَ الظنونْ
فَلأَنْتِ
آسرةُ المعارجِ
أنتِ
ساكنةُ اللَّواعِجِ
فاقرئي
بعدي السلامَ
على الدروب السافياتِ
وخَلِّدي
بعدي المقامَ
على التخُّوم العارياتِ
وحاذري
أن تنقشي فوقَ الشواهدِ
كلمةً
تعني بأن الملتقي لأيٌ
فَكُنْهُ مصيرِنا
أبداً
سيرجعُ عبر أسرار الترابِ
يعيدُنا
للأرضِ
نقرأ من سلالَةِ عشقِها
قدراً
تَحوَّلَ عبر أوردةِ الغدوِّ
هنيهةً
أسْرَتْ بنا نحو النهايةِ
ثم أغَوتْنَا
بأنّ ضلوعَنا
أبداً
سَتَعْمُرُها السكينةُ
فانهمرنا
مُزْنَةً
عبر انزياحِ الدهرِ
نَعْمُرُ ذاتَنا
بالخلدِ
نُفْعمِهُا
بأزهارِ الترقُّبِ
والحنينْ
آتيكِ
يا دنيا الحقيقةِ!
لا بساً عمري إزاراً
لستُ أنضو زهوهُ
إلاّ على سُرُرِ الرَّغائبِ
مترعاً بالحبِّ
مأخوذاً
بآفاق السنينْ
فَتَورَّدي
في الصمتِ
أو فتردَّدي
نغماً
على شبَّابةِ الأحلامِ
وارتسمي
على ثغر الطفولةِ
بابتسامات الحنينْ
لا بُدَّ تذكرنا الحياةُ
إذا انطوينا
تحت أنقاضِ المرارةِ والأنينْ
ولأنَّ غاشيةَ الزمانِ
رسالةٌ
طُوِيَتْ على نَزَقِ الرجولةِ
أَقْبَلَتْ
نشوى
تفارقُ ما تفارقُ
من ذؤاباتِ القرونْ
...
وَتَوَكَّأتْ
تمشي على قَدَرٍ
لِتَكْتُبَ
قصةَ الإنسانِ
والحرمانِ
من عبثِ الزمانِ
مدادُها
ماءُ الحياةِ
وما ثوى
في الصدر من ماءٍ
وطينْ
وتورَّدي
كالجمرِ
حسبُ الصمتِ
أن يُؤوي سكونَ الموتِ
والبعثَ المؤمَّلَ
عبر رحلتنا التي تطوي
وراءَ ضلوعِها
...
أنفاسَنا
ولهاثَنا
والباقياتِ
من العيونِ الظامئاتِ
إلى تِعِلاَّتِ الوتينْ
وخذي
إهابَ العيشِ من نفسي
وقولي:
من تُرى
يرتدُّ بعدي
نحو آفاقِ السنينْ
لأردَّهُ
-كرمى لَهُ-
أملاً
وصحواً
عَلَّهُ
عبرَ المدى
يندى
كما تندى الحياةُ
على دروب الخالدينْ؟
ما دَأْبُهُ
من ليس يدري
أنَّها
سِنَةٌ ونصحو من غوايَتهِا
لنعبرَ بعدَها
دربَ الحياةِ
إلى المماتِ
ونكتبَ الأقدار
عمراً
كلَّهُ دونَ الهنيهةِ
إن يَطُلْ
وإذا ارتدى أثمالَنا
فلأنَّهُ
يمضي بنا عبر الترابِ
إلى رحاب الغابرينْ.؟
وهناكَ
غاشيةُ الوصولِ
...
تعيدُنا
عبر انبعاث الأرضِ
أحياءً
نَرُودُ المنتهى
وسؤالُنا الأبديُّ للآبادِ
هل تدرونَ معنى
أن نكونَ
ولا نكونْ.؟
موتى
وإن كنَّا ارتدينا ذاتَنا
شَغَفَاً
وأحلاماً
وأفدحُ ما نُخَلِّفُهُ بُعَيْدَ الموتِ
إن بليَ الرداءُ
بأن نكونَ
كما نكونْ
متزلِّفينَ
مزيَّفينَ
...
وحسبُنا
أن نعبَر الدنيا
وليس بوسعِنا
إلاّ مكابَدَةَ الحياةِ
كأنَّنا
موتى
ونبحثُ في دروبِ العمرِ
عن معنى
نكاشِفُهُ
ليدركَ أنَّنا
نحيا
وإن كنا نعيشُ
كما يعيشُ الميتِّونْ؟