أتوحُّد فيكِ.. وَأنسى - محمد جلال قضيماتي

أتهجَّدُ في صومعة الحلمِ
على ترتيل صلاة البوحِ
وأبحرُ في عينيْ سانحةٍ
ضلَّتْ في غدها الأنداءْ
كشراع في وَهَنِ اللحظاتِ
تسابق زورقَه الأنواءْ
مسكوناً.. لا بالهمِّ
ولكنْ
بسؤالٍ
ما زال يباغتني
كرياح الصدفةِ في الرمضاءْ
ماذا أودعتَ الريحَ
وأنتَ على غبش التذكارِ
قريبٌ من جُرُفٍ هارٍ
ينقضُّ.. ولا ينقضُّ
فيمسكهُ الإعصارُ
إذا طوَّحَهُ السيلُ
وأذرتْ برؤاه الأوداءْ..؟
ماذا أسكنتَ الشمسَ
وعينُ الشمسِ غَدَتْ نفقاً
تتوكأ في رؤياه عيونُكَ
لا تدري
هل أنتَ أسيرُ الليلِ
أم الأيامُ تسافر فيكَ
فترجعُ
لا صبحٌ يتبسَّمُ في رؤياكَ
ولا أهدابُ مساءْ..؟
يتقاضى فيك المَحْلُ
ويسكن فيكَ الخصبُ
وأنتَ غداةَ الحكمِ
تقاضي الحكمَ
تطوّحُ أشرعةَ الإذعانِ
وتوقظ عينَ الظَّعنِ
بلا وَطَرٍ
تختارُ مماتَكَ
أو أثمالَ حياتكَ
لا رُطَباً تسَّاقَطُ من أغصانِ مصيرِكَ
لكنْ..
والدربُ المسكونُ بهاجِسِ همِّكَ
إذْ يمتدُّ
تلوحُ وراءه عينا سانحةٍ
كالحلمِ
فترسمُ في رمل مداها-
رؤياكَ
وتُبقي في صمت رؤاها
آبادَ الوهمِ..
وتنسى
أن على عَصف ثراها
ينداحُ الشاطئُ
لا بالموج.. ولكنْ
بصراطٍ
لا تعبُرهُ
إلاّ لمحَاتٌ بكماءُ
ولا تسري
إلا كالقيظِ بأزمنةٍ عجفاءْ
وأنا
بل أنتَ
وراء الزمن اللاهثِ
نلهثُ..
نكتبُ..
نمحو
ثانيةً
من ثَبَجِ العمرِ
وندري
أن ثوانيه الرقطاءَ
كرفَّةِ أهدابٍ
كانت -مذ كانتْ-
آخرَ ما تسعى في زبد الغَمْرِ
فقد جَفَّتْ
وتشقَّقَ في أعطافِ هواها الشوقُ
فأغفَتْ كالذكرى
تجترُّ معانيها الخرساءْ
أتوحَّدُ فيكِ
وأنتِ القاتلةُ الآمالِِ
وأَنحتُ من ضوء عيوني
تمثالَ رؤاكِ
فيخدعني
وأظلُّ أصدِّقُ أنكِ آخرةُ الأحزانِ
فينهرني من لمِحكِ ضوءٌ
يشحبُ
إن رفَّتْ من رمشِكِ ثانيةٌ وطفاءْ
أتوحَّدُ فيكِ
وأنتِ الماثلةُ الأعطافِ
ولكنْ..
ينهارُ التكوينُ
فأسقطُ في أصقاعِ الحلمِ.
ألوِّنُ بالأفكارِ تضاريساً
لبقايا وهمٍ
يكتبني
سطرَ دخانٍ
أقرأهُ
وأعودُ كفيفَ اللمحِ
كفيفَ الخطوِ
فأدركُ
أن الجرحَ ينزُّ على ضوء عيوني
ويغشِّي ما أبصرتُ
فأنسى الحلمَ
وأنسى الموتَ
وأدركُ أني ذاكرةٌ
تمحو الأيامَ
وتكتبها
سطراً في الرملِ
تذرِّيهِ
أرياحُ الفتنة والخيلاءْ
لكنّي..
عبثاً أحضنهُ
فيغاويني
ويهدهدني
ويطوِّحُ عمري مغترباً
فأعود إليكِ
وقد ملكتْ كفَّايَ الريحَ
وعاجَلني
من صوتِكِ رجعٌ يحدوني
كالتائه في ظمأ الصحراءْ
أتفصَّدُ عنكِ
تمزّقني
أصدافُ هواكِ
فأمسكُ عن نفسي الرؤيا
وأسافر فيكِ
وأمعن في الترَّحالِ
فيفجأ خطوي القيظُ
ولكني..
أسري بعيونِكِ -قاتلتي-
لأعودَ
وخضرةُ أكواني
تنداحُ
تلوِّن ألواني
كالطيفِ
وحين تدورُ بيَ الرؤيا
أغدو وهواكِ -ولو ألماً-
لوناً كالماءِ بلا لونٍ
فقد امتزجتْ
ألوانُ الطيفِ بأعماقي
فغدوتُ بهِ
وهواك يضمِّخ وجداني
لوناً كبياض الصحوِ
يوحِّدني
فأشطُّ وإيّاكِ زماناً
وبرغم البعدِ يوحّدنا
لوناً
فأعودُ وإن أرهقني الطيفُ-
وأضواني
أتوحَّدُ فيكِ..
وأنسى
أن على شفقِ الرؤيا
شلالَ ضياءٍ
يدعوني
لأضمَّ بقايا أزمنتي
وألملمَ ذاتي فيكِ
وحيداً
إلاّ من زَمَنٍ
يسبقُني فيهِ إليكِ
وجيبٌ من ظمأٍ
يغتالُ البعدَ
ويزرعني
في قلبكِ خفقةَ أزمنةٍ
أتعمَّدُ فيها مؤتلقاً
ومداكِ يضمُّ سوانحها
ويوحِّدُها
في لحظةِ بوحٍ تدعوني
وتوحِّدني
إذ كنتُ بها
أتوهَّجُ في محراب هواكِ
لتعلنَنَا
زمناً ينأى بجوائِحِهِ
عن كلِّ تباريح الأنواءْ
فقفي في ردهةِ ذاكرتي
وأطلّي منها نحو غدٍ
لا بد سنعبره ألَقَاً
ليباركنَا
لا عبر الظلِّ
ولكنْ..
عبر مساحاتِ الأضواءْ؟