الــحـصَار - محمد جلال قضيماتي

بكلِّ انكفاءِ المفازاتِ
جئتكِ..
زوّادتي :
حلمٌ..
وانكسارٌ
ألوب على نُسْغِ ضوعٍ
تمثّلْتُ فيه بأنكِ
ومضُ انطفاءٍ
تردَّدَ
ثم تأوّدَ
ثم انتهى في التلاشي
فأيقنتُ
أن الحقيقةَ وهمٌ
وأن الوصول سرابٌ
وأن التوحُّدَ فيكِ.. اندحارْ
لماذ تجيئينَ في خُلْسَةِ الطرْف عتبى.؟
أما تعلمينَ..
بأني أسيرٌ بفيضِ الحنينِ
وأن ارتمائي لديكِ
يؤاخذني فيه وَطْءُ انعتاقي
فيحملني
لا إلى واحة الوصلِ
لكنْ .. إليكِ
يحمّلني
وزْرَ أني هناكَ
بعيدٌ .. بعيدٌ
وعيناكِ.. رفٌّ من الوجدِ
حين أذوب لديهِ
أكون بعيداً
وحين أواصل سيري إليهِ
أكون على جُرُفِ الانهيارْ
أراسمةَ الأمنياتِ على كحل ذاتي.!
أما تحلمينَ
بما خبّأْتهُ لدنْكِ العيونُ
وحين تَماهَتْ لديها المسافاتُ
نامت على شاطئيها
مشارف رؤيايَ
لكنْ..
وحين صحوتُ
رأيتُكِ فيها
فكنتِ مدايَ
وكانت مغانيكِ
برجَ انتظارْ
هي الآنَ أحلامنا المترفاتُ
تناديكِ
تأتينَ.. أو تحجمينَ
ولكنْ..
أُحِسُّكِ شأواً يحثُّ انتظاري
وآنَ أرى فيكِ بعضَ التمرُّدِ
ألقي
يداً من ظلال السجوفِ
فلا تكتمينَ اغتصابَ الرِّغابِ
وَهَوْناً
تنادينَ قلبي
فيأتيكِ
خِيْفَةَ أنْ توقفي زحفَ توقِكِ
إِثّرَ انطلاقي
فأشرد في وهلةِ الرَّوْعِ
أكتم سهماً
تَوّطنَ في عنق الوصلِ
ثم استدارَ إليَّ
يسوّرُ أطلالَ ظلّي
بأوهامِهِ السافياتِ فانساكِ حيناً
وحيناً أفتّحُ شجوي
على بقعةِ العمر عمراً
فألقاكِ:
فاتحةَ القلبِ
شاهدةَ الحبِ
نازفةً في صميمي
شحوبَ الحصارْ
وإيّاكِ.. أمضي إليكِ
تؤاخي ظنوني
مداراتُ خطوي
بُعَيْدَ الفطامِ عن الرعشةِ البكْرِ
في ذكريات الطفولةِ
مُذعُلّقَتْ خصلةُ الروحِ
في شرفة النأيِ
تحرسها
بعد أن أرهقتها
بما علّمتها من العشقِ
واستعبدتْها
بعينينِ... مثلَ الفضاءِِ الرحيبِ
إذا شئتُ أن أرسلَ الروحَ فيهِ
تضيقُ بيَ الأمنياتُ
فأسقط في فسحةِ الصمتِ
أنسلُ من وَقْعِ ذاتِكِ ذاتي
لعلّ الذي تمنعينَ
يكون انطلاقي إليكِ
ويبعدني عن جنوحِ الدمارْ
تعلَّمتُ من خفقةِ القلبِ
أن أكتم الوجدَ
إمّا نسيتُ بأن رحابَ اللقاءِ
تمادتْ على ساعديكِ
فأنكرتِ
أنَّكِ أنتِ التي علّمتهُ الوجيبَ
وأنتِ التي علّمتهُ بأن يكتمَ الشوقَ
واليومَ..
ماذا تريدينَ أن تتركي للغريبِ
وقد أنكرتْه سوانحُ لقياكِ
هل توقفينَ الحنينَ
وهل تنظرينَ إليَّ بعينيَّ
أم بعيونكِ
مُذ ألِفَتْ في سكونِ انتمائي إليكِ-
هواها
فألقتْ إليهِ رمادَ الجمارِ
وعادتْ..
لتقرأ سطراً
وتنسى سطوراً
قُبَيْلَ التوغُّلِ في قاعِ ذاتي
رأتْها تلوّحُ للذكرياتِ
مودِّعةً ساعةَ البوحِ
ما كانَ منها
وموغلةً في صميمِ السِّفارْ
وآتيكِ..
أخرجُ منكِ
وأدخلُ في جانحيكِ
يعلِّمني الحبُّ
أن أسكنَ الصمتَ
أن أنهلّ الوقتَ
لكنْ..
وحين تكونينَ تغريبةَ السُّكرِ
أصحو على ناركِ السرمديّةِ
تحرقُ فيَّ رفاتَ انطفائي
فَأُبعثُ في لحظةِ النعْيِ
أقفو تباريحَ شجوكِ
ثم أطوِّحُ رأسي
على لمحةِ السعيِ نحو رؤاكِ
فألقاكِ في كل صبوة لحظٍ
ولكنْ..
وأنتِ المسافرُ فيكِ حنيني
وأنتِ المؤرَّقُ فيكِ سكوني
تلاشيتِ
لا عن رؤايَ
ولكنْ..
عن القلبِ والطرفِ
دون اختيارْ
لأجلِكِ
إن يهتفِ القلبُ:
عودي..
دعيهِ
فليس لديهِ سوى أن يناديكِ
أو فانهريه بقولكِ:
دعني
ألستَ وقد أرهقَتْكَ المحطاتُ
ما زلتَ تحلمُ
دعكَ إذن من نثارِ الشتَّاتِ
وكن ما تشاءُ
فبيني وبينَكَ طوفانُ مدٍّ
تمرَّدَ في سبحةِ الشوقِ
حينَ سَبَتْهُ المتاهاتُ
فارتدَّ
لا الليلُ يهمي على جانحيهِ
ولا الفجرُ يهدي إليه النهارْ
فكلُّ انكفاءِ المفازاتِ
ما كانَ إلا لتهربَ منا الدروبُ
ونبحثَ في ظلِّها عن مدارْ
فَنُقْرِئُها وَهْيَ في الغيبِ نشوى
لإيلافِ قلبِكِ
إيلافه
رحلةَ القربِ والبعدِ
هيهاتَ تجمعُنا
بعدَ تلك الديارِ ديارْ؟