الـهَاويـة - محمد جلال قضيماتي

الجذر يمتشق الغصونَ
ويعتلي
صهوات خيلِ الريحِ
يشرع إثْرَ غاشيةِ الزمانِ
نداوةَ الزهر المضمَّخ بانفتاح الآنِ
نحو غياهب اللَّمح المسافرِ
من عيون البوحِ
صوبَ الملتقى المسكونِ
آونةً..
بنفح الأمسِ
أحقاباً..
بما نَزَفَ السؤالْ
يا أيها النقْع المهاجر من ضمير البعدِ
حين تَوَغَّلَتْ ذرّاتُكَ الحبلى بأسئلةِ الرذاذِ
ألستَ تبصر أننا
من بعد ما حَمْلَتْكَ أفئدةُ الدروبِ
رحَلْتَ
لاجهةَ الإرادةِ
إنّما
حيث استبيحتْ في منافي القهرِِ
أنفاسُ الذبالْ
إصدَعْ بأمر الريحِ
واتركْ رحلَكَ الطاوي على حتفِ السرائرِ
واستَبِقْ خطو الوجودِ
فإنَّ في عِطْفِ المآثرِ نيزكاً
يهوي على قدرٍ
فإنْ حَطَّتْ على ركبِ المآل خطاكَ
أدرَكتِ الحقيقةُ
أنّ آثار الدروبِ
غوايةٌ
تَركَتْ وراءَ اللاهثينَ
مسافةً
رسَمَتْ على رَفَثِ الطريقِ
معالماً
كانت، ولا زالتْ، تقولُ
بأنّ من وصلوا هنا
لم يعرفوا
أن المآلَ بلا رؤى تبدو
ويبدو خلفها الخصبُ العقيمُ
ملوِّحاً بيد المصيرْ
يا ذا الهوى المحمومِ بالهذيانِ.!
هل صَعَدَتْ اليكَ من الجوانح جذوةٌ
كانت تظنُّ
بأنّها تذكو ليومٍ
تكتبُ الأسفارْ عنه بريشةِ الآبادِ
أنَّ ضياءَهُ
ما زالَ في الآفاقِ
يهدي من يشاءُ
إلى دروب الخالدين.؟
أم أنّ ماأبقتْ لَكَ اللحظاتْ
من وَلَهِ انتظارِكَ
جذوةٌ..
حين انتحار الوقتِ
راحتْ تعلنُ الآمادَ مقبرةً
ثوى فيها شتاتُ الظامئينْ
هي ذي عيونُ الأرضِ
تفقؤها حُصيَّاتُ المقامرِ
بالدم المنذورِ
حباً ينتمي
-من يوم أن قال الشريدُ:
غداً نعودُ-
لموسمٍ..
ما كان يرعاهُ الزنيمُ
فهلْ تذمرَّتِ الخطوبُ من الدماءِ
فألَّبَتْ هِمَمَ الجرادِ
فراح يحصد زرعَها بمناجلٍ
كانت تؤهِّبُ حَدَّها لمواسمٍ
تعلو على غبش السنين.؟
ماذا يقول الزرعُ
إن روّتهُ أنهارُ الدماءِ ذكيَّةً
ثم استكانَ النزفُ
فانفجرَ الجفافُ
تُرى..
أيشرب بعدَ كوثَرِهِ
بقايا من كؤوس العابرينْ؟
ماذا تقول لنا البراعمُ
بعدما
غَنَّتْ لها الشطآنُ
فاهتزَّتْ على جفنِ الخلودِ
وحين زَهَّرَ غصنُها
انتحرتْ بلفحِ الضوءِ
مذعنةً
لمن أسروا الشعاعَ
ورمَّدوا عينَ اليقينْ.؟
ماذا يقول الماءُ
بل ماذا تقول النارُ
هل ضدَّان نحن تآلفا
من بعدما منذ الخليفةِ
لم تؤلِّفْ بيننا
حِقَبُ السنينْ.؟
ماذا يقول الحرفُ للأزمانِ
مذْ كتبَ الخلودَ مصاحفاً
ثم انزوى خَجِلاً
ولا يقوى على رفض الذي
يُمليهِ في الكلماتِ
صوتُ البائعينْ.؟
ماذا يقول القولُ
بل ماذا يقول الصمتُ
والمعنى تداخَلَ وحْيُهُ
فغدا الرجاءُ
كما العماءُ
وليس يدري القلبُ
ما شأنُ الوتينْ.؟
ماذا يقول الموتُ
إذْ تردُ الخطوبُ حياضَهُ
هل كان يحصدُ هَامَةَ الوُرَّادِ
من أجل انسكابِ الروحِ
في كأس السكارى الناعمينْ.؟
ماذا تقول لنا الحياةُ
وقد قتلْنا في معانيها الحياةَ
فغيبَّتنا
في كهوفِ الضائعينْ؟
وَهْناً على وَهْنٍ حملنا عمرَنا شغفاً
وحين توجَّسَتْ عينُ الرؤى
كان انفصال الأرض كرهاً عن تباريح الترابْ
أمدٌ تَمرَّدَ في انهيارِ الزحفِ
فانكفأ المصيرُ
وأذعنتْ للقحط أوردةُ السحابْ
فَغَفَتْ على رئة السرابْ
وتوسَّدتْ
بين انكسار الحلمِ
صاغرةً
لما رسم الدخانُ على قباب الصحوِ
فانتبهتْ
وهاويةُ الفواجع تنتشي
بنوائبِ الأرضِ الخراب
فتسافحتْ
والحلم يرسم ذاتهُ
والجذر يمتشق الغصونَ
وينتحي
داراً يغشيّها الهوانُ
ليعلن الأرض التي حملته عبر نمائِهِ
(أرضاً برسم البيعِ)
فليدفع بها من شاءَ
عِرْضاً
أو ريالاً
فهي بعدُ بعريها
في الأسر تنتظر الذئابْ