عرس الفناء - محمد جلال قضيماتي

هذا نذير الأرضِ
يهزأ بالأريجِ
يرنحّ الحلم الجميلَ
على اندحار الشمسِ
في الغَلَسِ المقيمْ
يستلُّ من رَحِمِ الحقيقةِ
نبضَ أحلام اليمامِ
ويستعيذ بهِ
من اليوم الرجيمْ
وكأنَّ أشواكَ الضلوعِ
وشايةٌ
تفضي بأسرار التوغُّلِ
في هسيسِ الحادثاتِ
تنمُّ
عن نوء اندلاع النارِ
في غَمْرِ التوسُّلِ
لارتطام الدفءِ
بالعقم المغلَّفِ
باغتصاب البرقِ
من عَتْمِ السَّديمْ
يا أيها الزمن المبارِكُ
كلَّ بركانٍ
تعمَّدَ
بالمحبةِ
والندى
لا تنطفئْ..
فالدرب من حمم انفجارِكَ
مشرعٌ
عكس اتجاه الريحِ
واللَّهبُ المقدَّسُ
لم يزل في الأفقِ
يرصدُ عَبر سارية النهارِ
غوايةَ الأبد العقيمْ
ويظلُّ وجهُ الذارياتِ
على حفافي النارِ
يرصد بالمُدى
شريانَ توق النقعِ
ينزفُ
زيفكَ المأفونَ
ينحرُهُ..
يسمِّرُ وجهُه المنحوتَ
من عبثِ السنينْ
وكأنَّ أنسامَ الجحيمِ
رسالةٌ
كُتِبَتْ بأمواه الفناءِ
فلم تدعْ
لغشاوةِ المصدورِ
غيرَ نواظرٍ
هَتْكَتْ ستارَ الرفضِ
لكنْ..
بعدما وَسِعَتْ رؤاها الأرضَ
عادت
تنحتُ الآكامَ
من عقم الرجومْ
وكأنَّما في الكونِ
سرٌّ ذائعٌ
خَبَأَتْهُ في عُمْي العيونِ
تمائمٌ
حتى إذا انفجر الصراخُ
تبيَّنَ المأخوذُ
بالأَلَقِ المبرقَعِ
أنَّ في توقِ السجونِ
سرائراً
تُنبي
بما كتمته في الأملِ
السجونْ
وتظلُّ أنفاسُ الترابِ
تقول للنارِ:
-استعيذي
من سُعار النارِ..
لكنْ..
دونَ أنفاسِ الترابِ
مجامُر الصمتِ المدنَّسِ
في متاهاتِ الظنونْ
ولأنتِ..
إن سَبَرَ الزمانُ
بتوقِهِ
عمق انتظارِكِ
تدرك الآبادُ
أنَّ بغورِكِ الأبديِّ
أسرار القرونْ
ولأنتِ..
بعثُ الماءِ
إن صفع الجحيم غوايةً
تبدو لمن يلقاكِ
عبر الماءِ
سيدةَ المنونْ
لا تنقعي
بمياهِكِ النشوى
ظِماءَ الخزيِ
وانتظري..
لعلَّ قوافلَ الغُلَواءِ
آتيةٌ ..
على متنِ الرياحِ
على قنوط الموجِ
سافيةً رمالَ البيدِ
موغَرةً عليك
تريد أن تلقاكِ
أو تُلقيكِ
في مَلَقِ العيونْ
ولأنتِ..
مأتمهم إذا مرُّوا
ولكنْ..
هل لمن يدنو
-إذا عرف الطريقَ-
بأن يقولَ:
-أنا وصلتُ
وفي يديه سلاسلٌ
أنتِ ابتدعتِ سوارَهَا
ليرى بريقَ شعاعِها
فيظنّهُ
محضَ الوصولِ
إلى الوصولِ
وحين ينبجسُ المدى
يعشى
ولا يدري
بأنَّ وصولَهُ
شَرَكُ المنونْ؟
أنتِ ابتدعتِ الموتَ
لكنْ.. قبلَهُ
أنتِ ابتدعتِ
الخصبَ
والنسغَ الأليفَ
فإن يماطلْ وارِدٌ
يدري
بأنَّ موارِدَ الموت الزؤامِ
مسالكٌ
تَهَبُ الحياةْ
ولعلَّه يدري
بأنَّ قِصاصَهُ
أنتِ ابتدعتِ حِياضَهُ
ليعودَ
يجترع الحياةَ
من الجناةْ
لا فرقَ
بين الموتِ
أو بين الحياةِ
إذا نُهاكِ
يغولُه عِلْجٌ
تسربلُهُ
على خَدَرٍ
أظافرُها البزاةْ
فلأنتِ
قبلِ هزيمهمْ
فيكِ استحمَّ الطهرُ
وابتدرتْ لديكِ عطورَها
نِعَمُ الحياةْ
إن حاصرتكِ النارُ
بالطوفانِ
أو شيَّعتِ أحلامَ العصاةِ
فليس يدري البحرُ
كيف يهادن المنفيُّ
أحلامَ الخطاةِ
وفي عُرى برديهِ
يقتصُّ الطغاةُ
من الطغاةْ
فامشي..
كما تبغينَ
مشرِعةً شعاعَ النورِ
آخذةً بناصية الزمانِ
وألهمي الأقدارَ
أن
لا يستحمَّ العهرُ
في عطر الزناةْ
حلّي جدائلَ شعرِكِ المضفورِ
واتّكئي ..
على جذع النخيلِ
على هديل الصحوِ
فالشمسُ الرهيفةُ
عرَّشَتْ منكِ الخمائلَ
أترعتْ منكِ المناهلَ
واعلمي..
أنَّ الربيعَ ونَوْرَهُ
أنَّ الصباحَ وسحرهُ
أنَّ الزمانَ وشعرهُ
منكِ استمدَّتْ عمرَها
وتأمَّلي..
والبدرُ يهتكُ مؤنساً
سرَّ المسافةِ
كيف يغسلُ نهرُكِ القدريُّ
آثارَ الغزاةْ
هذا نذيرُ الأرضِ
سِفْرُ الموتِ
آمالُ الأريجِ
مسافةٌ بين المسافة والمسافةِ
تسأل الأيامَ
عن عرس الفناءْ
فَلْتَنْطلقْ عبر التحفّزِ
جذوةٌ
تعنولها الدنيا
وتشهدُ
أنَّهم
رسموا مزاعمهم بماءْ...