طاغية افتراضي يرى كابوساً - محمد مأمون نجم

في النوم رأى حلُماً أبكاهْ
فاستيقظ مذعوراً يهذي
بحروف مزّقها الكابوسُ
وتقذفها مِزَقاً شفتاهْ
في النوم رأى رجلاً ذا وجهٍ -
ترفض ذاكرة أن تنساهْ
غطته دماءٌ
و صديدٌ
وسحابة قهر تتغشاهْ
عيناه كفُوَّهتي بركان يتطاير في صمتٍ قهراً
كسيولٍ تتدافع جمراً من قعر جهنم حر لظاهْ
بُردته ليلٌ مغبرٌّ
وعمامته بدر مصفرٌّ
رجلاه ببطن الأرضِ
وتحمل قرصَ الشمس يداهْ
ويقول بصوت الرعدِ :
بأن "الكل يموت ..الكل يموتْ ..
لن يبقى إلا اللهْ !"
وبأن" الحاكم إن يَظلِمْ
فسيسقط في بحر الظلمةْ
وسيُجزى ما اقترفته يداه "
"يا من سُميت ولىَّ الأمرِ..
ستسألُ:
• عن شعبٍ كاملْ
• عن كل سجين غيبتَهْ
• عن كل قتيل أو ثكلى
• عن كل يتيم يتمتَهْ
• عن شرف الأمة.. تحت نعال الغرب فرشتَهْ
• عن نهر دماء أجريتَهْ
• وأكفٍ عصرت يوماً ما كبد الإسلامْ..
ثمناً لمسامير العرش المذعور المتخفي في قصرٍ نتنِِ
من عظم ضحاياك صنعتهْ !"
و أفاق ولى الأمر كملدوغٍ
يجري في المخدع .. يتعثرْ
حلم حوّله أشلاءً
أو كومة ريش تتبعثرْ
اغتسل وصلى الصبح وفكَّرْ
أقبل في أرجاء القصر وأدبرْ
وتأمل في المرآة الوجه الشمعي الأصفرْ
الشيبَ
الصلعةَ
وتجاعيداً حول العينين الغارقتين بحبر أحمرْ
و تأمل في العتمة عرشهْ
وتحسس بهدوء كرشهْ
هل حقاً يوماً ما جسدي هذا يصبح جثّةْ ؟!
هل حقاً أن الدود سيملأ جمجمتي هذي يوماً ما ؟!
يخرج من عينيّ و أنفي
يملأ جوفي ؟!
المُلك إذاً والمال لمنْ؟
و العرشُ ؟
وجاهُ السلطةْ ؟…
و أحسّ ببرد كالسكين تلاحق رأساً يتقهقرْ
و أحسّ بشيء داخله يهوي
يتحطم كالبلّورِ..
كلوح جليد يتكسرْ
الوالي في الليل شظايا..
يأتيه الأمر السامي صبحاً ..
وشظايا الوالي تتجمعْ
مرتعشاً قدام الأمر السامي يركعْ
يقرأ .. يتصبب عرقاً
ما من أمر يأتي إلا
والتوبيخ أشد كثيراً مما سبق و أوجعْ
لكن مدار الأمر على:
" كرسيُك.. أو ترويضُ الشعبْ "!
و يعض على الشفة السفلى ويعض.. إلى أن دمعٌ يدمعْ
لكن ما أن يقرأه حتى-
يسجد للأمر السامي كسجود المؤمن للربْ
يجري ويجيّش جيشاً ، لا ليحارب أعداءً
لكن كي يلعن أم الشعبْ !!
الوالي الظالمُ -
يغفو في قبضة كابوسٍ
يصحو في قبضة كابوسْ..
هل يوجد أشقى من شخص يخمشه الذنب وراء الذنبْ
يستعبده رب من أرباب الغربْ
يتخبط ليلاً ونهاراً.. مثل الممسوس ؟!
مازال الوالي الظالم - كالمعتاد - يمارس أنواع الخِسّةْ
ويحسّ ببرد يلسعهُ
وبنصل دوماً يتبعهُ
يهذي في مجلسه جهراً
ويكلم في الخلوة نفسهْ..!