مصباح علاء الدين - محمد موفق وهبه

قال حدثنا وأوجز عن حياتكْ
يا أيها الولهانْ
افتح القلب ورتّل صفحةً من ذكرياتكْ
فكلّنا آذانْ
قلت فاسمع قصةً أنكرها جُلُّ المَلا..!
فإذا شئت فصدّقها وإن شئت فلا
كلاهما سِِيّانْ
:" لم يكد يقوى جناحي فأطيرْ
نحو آفاق الأماني
فإذا باالقدر المحتوم يرمي بي فأغدو بثوانِ
من أسارى ملك الحبّ الخطيرْ
مقيّد الجنانْ
مُوَلّهاً حيرانْ
واقتادني الجنودُ للسلطانْ:
جئناك يا مليكنا المُبَجّلَ المَجيدْ
بعاشقٍ جديدْ
فهبَّ وانتفَضْ
مزمجراً فيهم على مضضْ
كان أبيَّ النفس، لا يرضى بغير صيده، عفيفا
ولم يكن من طبعه أن يَقْرَب الأسيرَ والضّعيفا
أمعنَ في وجوههم فارتعدوا
خوفاً وعنه ابتعدوا
لاذوا إلى الجدار كالأرانبِ
ثم دنا ملتفتاً إلَيْ
رمقني بمقلَتَي وُدٍّ.. جثا بجانبي
صافحني مبتسماً.. شدَّ على كفَّيْ
تدفّق الحنانُ من عينيه في عَينَيْ
ملاطفاً مواسياً ثم نهضْ
وجال في النواحي
مُهَمهِماً يأمرهم أن يطلقوا سراحي
خرجت من عرينه فرحانْ
كأنني ولدتُ من جديدْ
في عالمِ العطورِ والألوانْ
في يومِ عيدْ
تَغمرني البهجة والأمانْ
وقلبيَ السعيدْ
سكرانْ
من خمرة الودادِ لا من خمرة الدّنانْ
يرفّ في صدري لا يكفّ عن رقصٍ ولا نشيدْ
ينثرُ في الآفاق عطرَ الحُبِّ والريحانْ
ينشر بسماتِ الرِّضا.. للعاشقينْ
والمبغضينْ
لكلِّ خلق اللهِ في الأكوانْ
أحسستُ أني بطلُ الأبطالْ
أقفزُ بَلْ أطير لا تعجزني الوديانُ والجبالْ
كأنني أحملُ مصباحَ (عَلاء الدِّينْ)
وَسَطعَ المِصْبَاحُ غامِراً حَيَاتِي بالضِّيَاءْ
وَرَحلَ الشَّقاءْ
وَعِشْتُ أيَّامِي بفِرْدَوْسِ الخلودْ
أرتعُ في نعيمه الفتانْ
وعيشِهِ الرغيدْ
أطفئُ حَرَّ قلبيَ الوَلْهانْ
من مَنبَعِ السَّرّاءْ
ظمآنْ
أعُبّ صِرفَ الحُبِّ حينما أشاءْ
وأجتني من ثمر الوِداد ما أريدْ
بعيدْ
عن كل ما يُنغص الفؤادَ من أشجانْ
يحضّني الغرامُ أن أزيدْ
وأن أُعيدْ
فأستزيدُ، لم أكن أخافْ
على القطافْ
والمرتعِ الريّانْ
وأن يؤولَ الكوثرُ الحلالْ
يوماً إلى زوالْ
وَذُقتُ طعْمَ الحُبِّ وَالإخلاصِ وَالوَفاءْ
في جَنَّتي العَذراءْ
الليلُ وَالنهَارُ مَمْزوجَانْ
بالدِّفْءِ وَالحَنانْ
كعَبَقِ النرجِسِ والبَهارْ
الليلُ وَالنهَارُ لا ليلٌ وَلا نهارْ
كجنّةِ الخُلودْ
الليلُ وَالنهارُ ليْسَ لهما حُدُودْ
الليلُ والنهارُ أدهارٌ مِنَ الحُبورْ
أرجوحة من نشوة الغرامِ والألحانِ والعطورْ
لا تُدركُ التاريخَ والأعمارْ
ولا تعي السنينَ والشُّهورْ
وَتحْتَ سِتارِ الظلامْ
وَفِي غفلةٍ مِنْ فؤاديَ مُدَّتْ شِبَاكُ الضَّغينَهْ
وَسَنَّ سكاكينَه الحَسَدُ المُسْتبدُّ ببَعْضِ الأنامْ
وَهبَّتْ أعَاصيرُ حِقدٍ دَفينَهْ
طارَتْ سِهَامُ الشّرِّ نحْوَ قلبيَ المَسْحورِ كالشّرَرْ
تسَابَقتْ مَسْمُومَةَ الرُّؤوسِ لا تُبقي وَلا تَذرْ
فَانقَلَبَ المِصباحُ وَانكَسَرْ
ولَم يَعُدْ لِقَلبيَ التائهِ في الظلامْ
من مؤنسٍ لهُ سوى حطامْ
ومن ودادِ الأمس والوئامْ
سوى خيالٍ سائحٍ مع الذِّكَرْ
ومهجةٍ حزينةٍ هائمهْ
ودمعةٍ دائِمَهْ
هذه يا صاحِ من سِفرِ حياتي نفحاتْ
ربما قد خانني الوصفُ ولكنْ
لم يكن ما جاء فيها تُرّهاتْ
فرنا نحوي بعين دامعهْ
هامساً مرتعشَ الكلماتْ:
" تلك والله حياةٌ ضائعهْ
يا صديقي..
اِزرعِ البَسْماتِ في بُستانِ نفسكْ
يُنبِتِ الشوكُ وروداً يانِعَهْ
تُنعشُ الروحَ بنَسماتِ الرَّحيقِ
وانثرِ الآمالَ في حُلكَةِ يأسِكْ
أُغنياتٍ ونجوماً لامعَهْ
ينقشِعْ عن أفقكَ الداجي دخانٌ ورمادْ
ويُداعِبْ زُرقةً رُدَّتْ إليهِ وحبوراً مُستَعادْ
تِبرُ شمسٍ ساطعَهْ "
2007