رجوع - محمد موفق وهبه

أسطورة غنائية
صوت
في مساءٍ عابسِ الوجهِ مخيفِ القَسَماتْ
زمجَرَ البحرُ فعمَّ الرعبُ كلَّ الكائناتْ:
البحر
طفَحَ الكيلُ تَعَدّى قاطِنُ البَـرِّ حُدودَهْ
خانَ بالتَّدميرِ والقتلِ عُهودَه
ألم يعلم بنو الإنسـان أنّ حياتَهم بِيَـدَيّ هاتَينِ..؟
فما شَربوا فَأمطاري ... وما أكلـوا فَأَثماري
فإن صانوا عُهودي صنتُ عهدَهُمُ وإلا الشَّينُ بالشَّينِ
أقابِلُ سـوءَ فعْلَتِهمْ بخيـر دونَهُ الخَيرُ
وَ أجْنِي حُسنَ مَعروفِي بِشَرٍّ دونَهُ الشَّرُّ
بدّلوا الوُدَّ اعوجاجاً وانهِداما
ما رَعوا يوماً ذِماما
غَرَّهُم أن مَلَكوا الجَوَّ ضلالا
ركبوا الريحَ اختيالا
كَبُـرَت أنفسُهم إذ صَعَدوا نحوَ السّماءْ
حسِبوا الحيتان والأمواجَ طيراً أو ظِباءْ
حسِبوا البحرَ ضعيفاً مثلَ باقي الخلقِ لا.. لا..
رُوَيدَكَ أيُّها الإنسانْ أنا البَحـرُ الذي تَجْهَلْ
رُوَيدَكَ أيُّها الإنسانْ أَنا البَحـرُ الذي تَجْهَلْ
أنا البحرُ المحيط بكلِّ مَا في هذِهِ الدُّنيا الرّحيبَهْ
أنا دُنيـا سـلامٍ لَن تُدَنِّسَها شُـرورُكُمُ الرَّهيبَه
صوت
كان فوق الموج ينسابُ شـراعٌ يقصدُ البرَّ البعيدا
وعليه عاشقٌ يصدح بالحبّ نشـيداً فنشـيدا
طرقت مسمعهُ زمجرةُ البحر براكينَ رُعودا
لم يُرَعْ فالحبّ جَبّارٌ يُحيلُ القلبَ جباراً عتيدا
إنما قام يُناجي البحرَ بالألحانِ غِرّيداً وَدُودا
الشاعر
جَرَحَ القلبَ العِتابُ
أيُّها البحرُ المهابُ
إنْ أكنْ أخطأتُ فِعلاً مَا هوَ الفعلُ الصوابُ ..؟
البحر
تطاردُ كلَّ أبنائي ... بمَملكتي على مائِي
دَمَارُكَ قدْ تمـدَّد مِـنْ ترابِكـمُ لأحشائِي
لسَوْفَ أريكَ يا إنسانُ كيفَ تصونُ أحيائي
هُبِّـي أعَاصِيـرَ الرِّيـاحِ تمزَّقِي
غَضْبى وَثوري يَا أعاصيرَ الرِّياح
فـوري برَاكيـنَ المِيـاهِ وَ حَلِّقي
أَطوادَ مَوْجٍ وَاسـبقي ذاتَ الجَناحْ
صوت
عَلى صَخبِ الموْجِ كانَ يميدُ شِرَاعْ
يُكافحُ هَولَ الرَّدى بعنيفِ الصِّراعْ
فَحينـاً يَغـورُ يُقَبّـِلُ عُمْقـاً وقاعْ
و يَصعَدُ حينـاً يُناجي مُتونَ القِلاعْ
وحانَ المغيبُ و قالَ الضياءُ الوداعْ
وَرَاحَ يُلَمْلِـمُ مِنْ كـلِّ بُعْدٍ شُـعَاعْ
وسـوّد كُحلُ المسـاءِ وجوهَ البِقاعْ
وأطلقَ فوقَ الميـاهِ وحوشَ ارتياعْ
لتطردَ ذاكَ الشـراعَ لِتِيـهِ الضَّياعْ
فَيا وَيحَ ذاكَ الطَّريدِ بِمَـنْ يَستَجيرْ
وأَلسِـنَةُ المَوتِ تَمتَدُّ حَيـثُ يَصيرْ
و صوتُ استِغاثاتِهِ قد محاها الهَديرْ
وأطوادُ مـوجٍ تَناطَحُ فـوقَ الأَثيرْ
وأُخرى تَشبُّ وتلطمُ أعلى الصُّخورْ
عواصِفُ، بَرقٌ وَرَعدٌ وقَطْرٌ غَزيرْ
صِيـاحٌ، عويـلٌ، وزمجرَةٌ وَزئيرْ
يغوصُ وَيَعْلـو وَليسَ لهُ منْ نصيرْ
يَسـيرُ فيَتْبَعُهُ الخَوفُ حَيثُ يسـيرْ
وتَدفَعُـهُ الريـحُ عاوِيَـةً فَيَطيـر
وتَصفَعُـهُ موجَـةٌ جانِبـاً فَيَـدور
قِلاعٌ مِنَ الماءِ تسـجنُ هَذا الأسيرْ
يَردُّ شُـروراً فَتَغزوهُ أَعْتى الشّرورْ
يَفـرُّ فتجذبـهُ نحوَ هَـولِ المَصيرْ
وعلى مرأىً من الزورقِ حُورٌ مَرِحاتْ
يَتَبارَينَ معَ المَـوجِ فتعلـو الضّحِكاتْ
أو يُشارِكنَ بألعـابٍ لَها تَهفـو البَناتْ
عرائس البحر
1 أخـواتِ هيّـا نحـوَ شـاطِئِنا لقد حانَ الذَّهابْ
2 ماذا سـنلعبُ..؟
3 رقصةَ الحسـناءِ مَعْ زَيْنِ الشبابْ
1 لا.. لا.. نُريدُ الثعلبَ المكـارَ يخدعُـهُ الغرابْ
2 أختاهُ..!
1 ماذا..؟
2 انظري.. أطوادُ مَوجاتٍ غِضابْ..!
3 تَعلـو مُزَمجِـرَةً.. فتغرقُ تحتَها كُتَلُ السحابْ..!
1 والريـحُ..! هزَّ عويلُها ودَوِيُّها كُلَّ الرِّحابْ..!
2 ماذا أرى..؟! الإعصارُ..!!
3 موجٌ كالجِبالِ وكالهِضابْ..!
1 ماذا هُنالِكَ..؟! لا أرى إلاّ اصطِخاباً واضطِرابْ..!
2 اللّـجّ يحملُنـا إلى شَـطّ الحِجـارَةِ والحِـرابْ..!
1 اِبعِـدْنَ عن شَـطّ الصّخورِ.. احذَرْنَ منه الاِقتِرابْ
2 هَيّا إلى الأعمـاقِ.. سـوفَ يُمَزِّقُ الصخرُ الإهابْ
3 قَبْلَ الفَـواتِ.. إلى البيوتِ..
1 إلى اللّقا.. حانَ الإيابْ
الشاعر
أَعَرائسَ البحْـرِ اسْـتجرتُ بِكُـنَّ مِنْ هَـذا المُصَابْ
عرائس البحر
1 من أنتَ..؟!
2 إنسـانٌ تحدّى سيّدي.. فأتى العُبابْ..!
3 يهوى اصطِيادَ حرائرِ الأسماكِ
1 فَلْيَنَـلِ العِقابْ
الشاعر
أنـا إنسـانٌ وَلكِـنْ مَاعَرَفتُ الشرَّ يوْما
شَـاعِرٌ أصْدَحُ بالحُبِّ وَ بِالألحَـانِ دَوْما
أَنا مَنْ يَمْنـعُ ظُلْما أحْضنُ المُسْتَضْعَفِينْ
أنَا مَنْ يمْسَـحُ هَمَّا عَنْ جبـاهِ المُتعَبينْ
إلى أيْنَ يَا بَحْرُ تمْضِي بنـا..؟
إلى أيِّ شَط يَسيرُ شِـرَاعِي..؟
سَـفينة حُبِّـيَ ترْجُـو الرُّجوعَ
وَمَوْجُكَ يا بحرُ يهْوَى ضَيَاعِي
أحِـبُّ الرَّحيـلَ وَلـولا حَبيبٌ
بكانِي عَلى الشَّـط يومَ وَدَاعِي
وَ عَاهدتـهُ أنْ أعـودَ لكانـتْ
حَياتي رَحِيـلا بـدون انقطاع
تضِجُّ وَتعلـو وَتسـخرُ مِنّـِي
وَتدفعُ هذا الشـراعَ السَّـقيـمْ
سَـفينة حُبِّيَ تهْـوَى الرُّجوعَ
فيا مَوْجُ خففْ وَكنْ بي رحيـمْ
وَخلِّ النسِـيمَ يُخبِّـرْكَ عَنِّـي
حَكايَـا غَـرَامٍ بقلبـي قديـمْ
تغيـبُ شـمُوسٌ وَرَاءَ الليالي
وَتَسـري نجـومٌ وَرَاءَ نجـومْ
وَ تركضُ عَبرَ حياتِـي فصولٌ
وَهـذا الغـرامُ بقلبـي مقيـمْ
عرائس البحر
1 ما عرفناكَ قبلَ أن تتغَنّى.. يا رسولَ السلامِ عفواً وصَفحا
2 أقبلَ الليـلُ من جَديدٍ وما زِلتَ تُغنّي كما تركنـاكَ صُبحا
3 سكبَ الوَجدُ حينَ غَرّدتَ سِحراً.. في حَنايا أرواحِنا ليسَ يُمحى
1 فَهَفَتْ تَرشفُ السّـرورَ معَ اللّحنِ فَمَدَّتْ يَداً إليـكَ وجُنْحا
2 سمِعَتْ بوحَ سـرّ قلبِكَ ألحاناً.. فَزِدها مِنْ سِرِّ قَلبِكَ بَوحا
3 قد عرفنـا ماذا ترومُ.. وإِنّا نتمنّى لو زِدتَنا الآنَ شَـرْحا
البحر
يَا رَسُولَ السَّلام عفوًا وَصَفحَا .. يَا رَسولَ السَّلامِ عفوًا وَصَفحَا
صوت
صاحَ العُبـابُ مُزَمجِراً بِجُنـودِهِ:
رُدّوا إلـى ذاكَ الشِّـراعِ وِدادي
فَغَفَت غِضابُ المَوجِ في أَحضانِهِ
وَسَرَى السُـكونُ ولانَ كـلُّ عِنادِ
نامَت أَعاصيرُ الرِّيـاحِ، فَلا دَوِيَّ
وَلا عَويلَ سِـوى صَدى إنشـادِ
حَمَلَتهُ أنسـامُ الصَّبا مِن شـاعِرٍ
حَمَـلَ الغَـرامَ بِمُهجَـةٍ وَفُـؤادِ
رَدّ السَّـلامُ سُيوفَ جُندِ البَحرِ عَن
تَمزيـقِ زَورَقِـهِ إِلـى الأَغمـادِ
وَغَدَت بَراكيـنُ المِيـاهِ مَباسِـماً
تَتَبـادَلُ القُبُـلاتِ فـي الأَعيـادِ
وَمَضَى الشِّـرَاعُ مَعَ النَّسِيمِ مُعَانِقاً
دُنْيـا مِـنَ التحْنـانِ وَ الإسْـعادِ
الحُـبُّ يَحمِلُـهُ بِـأجْنِحَةِ الهَوَى
وَالشَّـوْقُ يدعـوهُ إلـى الأبْعَـادِ
الشاعر
يَا بَحْرُ عدْتَ رَفيقـا لِشَـاعـر مُسـتهامْ
عرفـتَ مَـاذا بقلبي وَما سَـمِعْتَ كَـلامْ
فكيـفَ تُدرِكُ ماذا يَحكي لِسَـانُ الغرَامْ..؟
هلْ أنتَ تعشَقُ مِثلي حتى تشيعَ السَّلامْ..؟!
فقلـتَ للمَـوْج يغدُو عَلى المِيـاهِ ابْتِسَـامْ
وَلِلرِّيـاح سُـكونـاً يَغفو بجـفنِ الظـلامْ
وَكنتَ تُضرِمُ في صَدْرِكَ الـرَّدى وَ الحِمَامْ
عرائس البحر
سكبَ الوجدُ حينَ غردتَ سِحراً
في حنايا أرواحِنا ليسَ يُمحى
قَد سَمِعنا أشواقَ روحِكَ أنغاماً
فَزِدنا مِن سِـرِّ قَلبِـكَ بَوحـا
البحر
يَا رَسُولَ السَّلامِ عَفوًا وَصَفحَا
يَا رَسُولَ السَّلامِ عَفوًا وَصَفحَا
الشاعر
لمَّا يَسُـودُ السُّـكونْ تعيـثُ فِيَّ الشـجونْ
تمـرُّ عبـرَ خيالـي خواطـرٌ وَ ظنــونْ
تَروي أَسـاطيرَ حُبّي قَصائِــداً وَلُحــونْ
كمْ كنتُ أسألُ روحي: يَا روحُ هلْ تعرفينْ..؟
لمـنْ تفيضُ دُمُوعِـي لمَّا يَسُـودُ السُّكونْ..؟
لِمنْ أعيشُ..؟ وَمَنْ ذا مَنْ ذا حبيبي يكونْ..؟
وَليسَ لِي مِنْ مُجيـبٍ سِـوَى خيـالٍ حنونْ
يَـرفُّ بَيـنَ عُيونـي وَلا تـراهُ العُيــونْ
يَمُـرُّ عَبْـرَ خيـالي إلى فُـؤادي الحَزيـنْ
عَرائس البحر
أنتَ إنسـانٌ وَلكـنْ مَا عَرَفتَ الشرَّ يوما
عاشِقٌ تصدحُ بالحبِّ وَ بالأشـعارِ دَومـا
البحر
أنتَ مَـنْ يكرَهُ ظُلما تحضنُ المُستَضْعَفينْ
أنتَ مَـنْ يمسحُ هَمَّا عَنْ جِبـاهِ المُتْعَبينْ
الشاعر
وَكمْ طويـتُ الليـالي سَـهرانَ أرثي لِحالي
أَشكو الظـلامَ حَبيبـاً صَوَّرتُـهُ فـي خَيالِي
تَلفُّ قلبي الهُمـومْ وَ يَعتَريني الوُجــومْ
فأرقُـبُ الأفْـقَ علِّي أَراهُ بَيـنَ النُّجــومْ
وَذاتَ مَسـاءْ
قُبَيْلَ الغُروبِ .... عَرَفتُ حَبيبي
وَكـانَ لِـقاءْ
لَهُ كانَ يَصبو فُؤادي وَتـهفو لَهُ أُمنِياتـي
لَهُ كُنتُ أَسـهرُ لَيلي وَأُرْسِـلُ فيهِ شكاتي
فَيا بَحرُ لا لا تَسَلنِي
لِمَن ما حَيِيتُ أغنِّي
إذا كُنتَ تَطلُبُ وُدِّيَ حَقّـاً فَهَيّـا أَعِنّي
بِريحٍ خَفيفٍ، تَسوقُ شِراعي بِيُسرٍ وَأَمنِ
وَمَوجٍ لَطيفٍ خفيفِ الأراجيحِ دونَ تجَنِّ
غمرتَ بفَيضِ السـماحةِ قلبي
وَإنَّ السَّـماحَةَ بَعضُ صِفاتـي
يَغوصُ بِسِحرِكَ يا بَحرُ شِعري
وَ تَسـبَحُ أَشـرِعَـةً كَلِماتـي
تُقِـلُّ حَنانـاً سَـلامـاً وَحُبّـاً
حَنينـاً لِمـاضٍ وَشَـوقاً لآتِي
فَقُـلْ لِشِـفاهِ السُّـكونِ: تُقَبِّلْ
مَبَاسِـمَ مَوْجاتِكَ الضَّاحِكـاتِ
فهذا شِـراعِي يَـرِفُّ ارتِياحاً
يَـرُدُّ سَـلامَ الرِّضى وَالحُبورْ
ويحبو على خَـدِّ مَائِـكَ حينـاً
عَلى مَهَلٍ مِثلَ طِفـلٍ غريرْ
وَحينـاً يَشُـقُّ المِيـاهَ كَسَـهمٍ
وَ حينـاً كَنَسـرٍ عَلَيهـا يَطيرْ
ليسبقَ وَثْباتِ ظَنّي
ليسبقَ جنحَ اشتياقي
إلى الأهلِ في المَوطِنِ المُطمَئنِّ
وَأَحمِـلُ مِن جُـزُرِ العاشِقينَ الكثيرْ
تَرانيــمَ بَـوحٍ لِحِـبٍّ أَثيـرْ
قصائدَ حبي
أغاريدَ قلبي
أهازيج خبأتها للتلاقي
لأنشدها في ظلال العناقِ
تقطعني كلَّ يومٍ سيوفُ الفراقِ
وترسمُ للموتِ ألفَ دليلْ
وأشربُ أشربُ حتى اختناقي
دموع المآقي
فلا يرتوي لحنيني غليلْ
إذا شئتَ يا بحرُ خُذْ لَهفَـةَ القلبِ منِّـي
وحرِّك شراعي فصَبري قَصيرْ
وشَـوقي كبيـرْ
وتُـدرِكُ أَنّ فؤادي العليلْ
يريدُ الوصولْ
قُبيلَ الأفولْ
فَهَيّـا انتشِلني
وباركْ رُجوعِي
وكفكفْ دُموعي
وهَدهِدْ قُلوعي
أعِنّي
أَعِن جُنحَ شَـوقِيَ وَاطوِ النَوى
إلى مَـنْ يَعيشُ بِفِكري وَ ظَنّي
كَمائِـكَ ذُبـتُ حَنينـاً إِلَيـهِ
فخذني إلى مَوطِنِ الحُبِّ خُذني
فَإنّـي هُنـاك سَـألقى حَبيبي
حبيبـي.. أَنا عائِـدٌ فَانتَظرِني
ضَمَمتُكَ في البُعـدِ قَبلَ اللِّقـاءِ
فَمُـدَّ يَدَيـكَ إلَـيَّ... احتَضِنّي
.
1995