النجوى السابعة - محمد موفق وهبه

وَمِثلَ سندُبَادِكِ القديمِ مَا اسْتقرَّ بي مَكانْ
وَمَا احْتوَانِي شَاطِئٌ إلا وَنادَتنِيَ مِنْ وَرَائِهِ شُطآنْ
كأنَّ لَلبَحْرِ أريجْ
يَشُمُّهُ قلبي فتهفو مِنهُ أشْواقٌ تهيجْ
أشْرعَتِي تعْرفُ كلَّ شَاطِئٍ مَهْجورْ
قد زال من ذاكرة البحورْ
دَخلتُ بَحْرَ المَوْتِ مَرَّاتٍ كثيرَهْ
وَعِشْتُ أيامًا وَأعْوامًا مَريرَهْ
يقذفني بكفّهِ الإعصارْ
تجُرُّنِي تدفعُني الرِّيَاحْ
أطيرُ فوْقَ قِمَّةٍ عَلى جبَالِ المَوْجِ لا يَحمِلنِي جَناحْ
وَأرتمي أغوصُ فِي وَادٍ بلا قرارْ
لكنهَا الأقدارْ
فكلّ مَرَّةٍ وَقبلَ أنْ أصيرَ لقمَةً تمْضَغُهَا الحيتانْ
تحْمِلنِي الأمْوَاجُ نحْوَ شَاطِئِ الأمَانْ
وَعِندَمَا عَادَتْ مَرَاكِبي وَتمَّتْ رحْلتِي الأخيرَهْ
وَعُدتُ لِلجَزيرَهْ
جَزيرَةِ الحُبّ الَّتي زَرَعتُ أَحلامي بِها، لمْ تظهَرِ الأميرَهْ
وَلمْ تُطِلَّ، لمْ تَقِفْ فِي الشُّرْفةِ المَقصورَهْ
فِي الشُّرْفةِ المُضَاءةِ المَسْحورَهْ
فرْحَانةً مَجنونةَ الأشْوَاقْ
وَلَم تُلَوِّحْ لي بِمِنديلٍ ولا بِكَفِّها الصَّغيرَه
لمْ يَخرُجِ الحُرَّاسُ وَالأهْلونَ لاسْتِقبَالِ سندُبَادْ
وَلمْ تسِلْ لِفرْحَةِ اللقاءِ دَمْعَاتٌ تضِيءُ خلفهَا الأحْدَاقْ
لمْ تُفْتَحِ الأبوابْ
تدْخلها مَوَاكِبُ الأصْحَابِ وَالأحْبَابْ
فكلُّ مَا جَمَعْتهُ بالعَرَقِ المُراقْ
بالنصَبِ المَوْصُول بالشقاءْ
بالألم المريرِ بالدَّمْعِ الغزيرْ
قَد طارَ فِي الفضَاءِ فِي الهَوَاءْ
هَبَاءْ
وَكُلُّ أَحلامي الّتي شَيَّدتُها تَهَدَّمَت وَضَمَّها الفَناءْ
خرَابْ
تنعَقُ فوْقَ سُورِه الغِرْبانْ
تنبَحُ فِي سَاحَاتِهِ الكِلابْ
تسْكنهُ الأشْبَاحُ وَالعَناكِبْ
وَتسْتَبيحُ أرضَهُ الجرْذانْ