ليل… ياليل - محمد موفق وهبه

هيَّجَتْ وجْدِيَ (يا لَيلُ) سَرَتْ عبرَ الظلامْ
خلفَ أشباحِ الغمامْ
(لَيلُ يا لَيلُ) غِناءْ
وحُداءْ
وَعَلى أفقٍ تحلّى بالجُمانْ
مِن وَرا الكُثبانِ لاحَت نَجمَتانْ
جَارَتانْ
تَمزجانِ الماسَ كُحلاً وسُخامْ
تَلعَبانِ العُمرَ لا تَكتَرِثانْ
تَعبَثانِ الدَّهرَ لَكِنَّهما لاتَنِيانْ
تُصْغِيانْ
كلَّما طارت لحونٌ وشجونْ
من فؤادٍ مُستهامْ
وشكا نايٌ حزينْ
من تباريح الغرامْ
طارقاً بابَ السكونْ
والسلامْ
وهما من خلفِ أسدافِ الظلامْ
مُقلَتانْ
غابَ عَن جَفنَيهِما النّومُ سِنيناً وَسِنينْ
تَرصُدانْ
في ثَنايا دَغَلِ اللّيلِ شعاعاً من هُيامْ
مَدَّهُ نَجْمٌ عميدْ
من بعيدْ
(لَيلُ يا لَيلُ) غِناءْ
وحُداءْ
أَيُّ لَحنٍ طارَ في الليلِ البَهيمْ
أيُّ رَجْعٍ لِلبُكاءْ
مَسَّ قَلبَ الليلِ في صَدرِ السَّماءْ..؟
طرِبَتْ منه التخومْ
والنجومْ
نغمٌ ساقَ من البُعْدِ أنينَ اللاّهِثينْ
خلفَ أرتالِ قَوافِلْ
خلفَ أشلاءِ جَحافِلْ
وفلولٍ هاربينْ
في دروبُ الخوفِ تعلو وتغورْ
شُرِّدوا.. فَرّوا.. ومن خلفِهِمُ جيشُ الهَزيمْ
بسِياطِ النارِ تلسَعُهُمْ فوقَ الظّهورْ
(ليلُ يا ليلُ) حَنينٌ وَشُجونْ
(لَيلُ يا لَيلُ) زَغاريدُ أَغاريدُ لُحونْ
نَغَماتٌ مِنْ ضِياءٍ وَطُيوبْ
رَشَّها الليلُ الطَّروبْ
سُفِحَتْ في مَلعَبِ الأُفقِ الرَّحيبْ
دَفَعَتْ فيهِ أُناساً يَركُضونْ
فَوَّرَتْ فيهِ جُموعاً يَرقُصونْ
وَجُموعاً يُنشِدونْ
أصِخِ السمعَ وأنعمْ في السماءْ
أيها القلب الكئيبْ
صُوَرٌ يرسمُها في صَفحَةِ الأفقِ الخيالْ
ثمَّ تكسى بالرّمادْ
وتغطيها من الغيم تِلالْْ
وبحورٌ من مِدادْ
(لَيلُ يا لَيلُ) نِداءْ
مِنْ فَيافِي الظّلمةِ الخَرساءِ جاءْ
نغماً رطباً نديّا
حطّ في قلبي جناحاً سُندسِيّا
قطَعَ الأَبعادَ والآمادَ فِي الليلِ إليَّا
(لَيلُ يَا لَيلُ) وَآهاتٌ طَويلَهْ
أيقَظَتْ روحاً عَليلَهْ
أيقَظَتْ حِسِّيَ بالوحدةِ وَالغُربَةِ فانزاحَ رِداءْ
من شجونٍ وحنينْ
وغُبارِ الوَجعِ المَكبوتِ فِي القَلبِ السَّقيمْ
نَكَأَتْ جُرحًا قَديمْ
وَتَباريحَ ثقيلَهْ
رَحَلَتْ مُنذُ سِنينٍ وَسِنينْ
خِلتُها قدْ ذهبتْ دونَ رجوعْ
(لَيلُ يَا لَيلُ) وَأَنَّاتُ نواحْ
دونَ إذنٍ مِنْ فُؤادِي دَخَلَتْ دونَ سَماحْ
عَبَرَتْ وَعْرَ وأشواكَ سِياجي
لَستُ أَدري كيفَ حَلّت بالجِوارْ..؟
دخلتْ مَا اكترَثَتْ بالبابِ مَوْصُودَ الرِّتاجِ
هبَطَتْ مِنْ سَقْفِيَ المُغلَقِ أَمْ عَبرَ الجِدارْ..؟
كَسَرَتْ نافِذَةَ الصَّمْتِ عَلَيَّا
ثمَّ ذابتْ فِي كُؤوسٍ مِنْ لُحونٍ وَحُمَيَّا
سُكِبَتْ بَلْ رُشِفَتْ من مِسمَعَيّا
ثمَّ غاصتْ عَبرَ روحِي
أيقظتْ قلباً عميدْ
ذكّرتهُ بالعهودْ
نكأتْ كلّ جروحي
نَزَلَتْ فِي قاعِهَا دونَ قرارْ
خِلتُها لَيسَتْ تَعودْ
أَينَ يَا قَلبُ الفِرارْ
.
1998