موت الورود - ممدوح عدوان

حين كانت معنا في البيت
كان البيت مكتظاً بأحلام وضحكات،
وكنا عندها نلهو كأطفال تغاويهم لُعَبْ
حين كانت وحدها في الليل،
كان العتم مرآة،
وفيها أبصرتْ في وجهها
بعض غضون من تعبْ
تعبت منا،
ومن يقظتها دوماً علينا
فارتأت أن تستريح.
تعبت من جسد
تجهدها فيه الشرايين التي صارت
حطب
خرجت من جسد أرهقها
أو أرهقته
غادرته كمسيح
تركته في فراش ساخن،
تركته في فراش حن في يوم عليها
وانتحب
فأراحته من الإصغاء
في هذا الصخب
وارتقت في سقفنا ترمقه في العتم،
كي تعتقه منها..
استراحت..
فتراخت
مثلما لو أنها نشوى،
وواتاها الطرب
كان يكفي
أنها قد حسّنت طعم حياة رائبة
ثم يكفي
أن ترى فينا هناء
ورجوعاً لسعادات تولت هاربة
أن ترى في عمرنا طعماً لتبقى ذائبة
قطرة من عسل في الكأس
نحسوها ولا نبصرها
لكن طعما فينا
وإن كانت ستبدو غائبة
إنها ضوء تعودناه صبحاً..
وتعودنا على تحنانها حين تواري عاتبة
***
هي في ذاك الفراش
وهي في ضوء المكان
وهي كانت تعبه
وحدها تهمس: لا..
لا تندبوني..
إنها تنهيدة الصفو
لعلي سأرى
وجه ربي في الكرى.
***
غير أن الكل كانوا انشغلوا عنها بها
وأحاط الجوّ في البيت طنين الجلبة.
بدأوا بالغسيل والتكفين والدفن
وبالإقرار أن الموت
قد صارت إليه الغلبة.
خرجوا
بالجسد المرهق
ظلت في
فراغ البيت
تحنو غاليه.
***
ورأتنا كلنا
نخرج في شبه جنازه
قلبها مشتعل
مثل حريق في مفازة
وحدها تسأل نبضاً في هواء:
ما الذي يجعل من قلب حبيبي
وتراً يهتز في شبه أنين
وقفيراً من حنين؟
ما الذي دوخ فتياناً،
وخلى عين هذي البنت
تبكي نادبة
ما الذي يُخرجه الأهل من البيت؟
***
خرجنا كلنا..
ظلت قليلا وحدها
تحرس الصمت الحزين
بقيت مفروشة وسط هواء البيت،
***
ترنو شاحبة.
نهدة تفلت منها:
أستطيع الآن أن أرتاح،
لولا أنهم يبكون
ها قد تركوا خلفهم الصبر الجميلا
قد تخلصت من الجسم،
وكان الجسم في الهم ثقيلاً
وأطلت نحو فوضى البيت،
قالت:
وسّخوا الدنيا،
المعزون تغاضوا عن لفافات التعازي
ومناديل البكاء
ملأت فوضاهم البيت
وهذا الوحل فوق العتبة
سيعودون
ويأتي معهم بعض الضيوف الغرباء
إن هذا واجب الضيف،
ولن يعذر أن يبصر فوضى البيت
حتى في العزاء
هذه القهوة لا بد بأن تبقى على النار،
حبيبي،
أنا ما اعتدت بأن أهمل،
ألقى عبته.
وإذا ما الضيف لم يرتح فقد يشغل فيه
غضبه
ما الذي يعني لهذا الضيف أني تعبه؟
***
وضعت ماء على النار سريعاً،
أمسكت ممسحة مألوفة،
أمسكت مكنسة
وقفت قدام مجلاها
وخافت أن يعودوا قبل أن تنهي
بقايا شغلها في البيت،
تنظيف أساها
رسمت في وجهها بسمتها
كي لا يتبدى في المحيا
أنها مضطربة.
أنهت الشغل،
وحلت بين ورد البيت،
في الأصّ الذي
لم تنس أن تسقيه كل صباح
حين عادوا
وجدوها وردة مفتوحة العينين في الأص الوحيد
ورأوا ما ظنه الناس زوايا خاوية
شمشموا الوردة،
شالوا ضوعها في الروح
صارت سرهم مثل خمور
تنطوي في دالية
جسد ووري في اللحد
وظلت دفأنا في البرد
صارت نسمة عبر ليالي الصيف
ظلت في سماها عالية.