سجن متر × متر - نائل الحريري

نصف ساعة في مصعدٍ معطّل
*
أغلقي الأبوابَ وامضي
لستِ أولى من طوى عمري حريقاً
لستِ أولى من طواهنَّ الغيابْ
وأنا بابيَ مفتوحٌ لكلَّ القادمينَ الراحلينْ
وأنا بيني وبيني ألفُ بابْ
كوِّري لي الأرضَ حتى أستريحْ
والعني وجهيَ يخبو في ركامِ البائسينْ
أحملُ الكبريتَ في كفَّيَّ...
تطوينيَ أنفاسُ المشاةِ الواقفينْ
ربما لو أشعلُ الكبريتَ...
عوداً...نصفَ عودْ
أقرعُ الأبوابَ كي أرقى إلى نفسي
ولا أبوابَ للأبوابِ كي أهربَ مني أو أعودْ
أنا وغدٌ في عدادِ المجرمينْ
مطرقُ الرأسِ يغطيني السحابْ
كيفَ وكَّلتُمْ أخي بي...
وأخي سافرَ كي يحفرَ قبراً للغرابْ؟!
وأنا أفتحُ بابي...
وأخي يغلق خلفي ألفَ بابْ
لكِ مني كلُّ شيءْ
لك ِظلي...
لكِ صوتي
لكِ موتي...
وحياتي
لكِ ما شئتِ...
وما شئتُ...
وما شئنا سويَّا
أعطني حريتي...
واخرجي من قمقمي المكسورِ كي أفتحَ بابي
وأرى عشرينَ ألفاً في ثيابي...
وانثري نفسَكِ فوقي...
ودعي بعضيَ يجثو فوقَ بعضي
وإذا ما صحتُ يوماً........
أغلقي الأبوابَ، وامضي
* * * *
لم تزلْ يا حبُّ
إعصاراً على أشلائنا
ما زلتَ طفلاً
لا ينامُ سوى على أجفاننا
يقتاتُ منَّا....
نحن ُلم نعرفْ سواكَ سواكَ
إذ ما زلتَ خلف ستائرِ الحلوى
وكم كنَّا عفاريتاً صغارْ
لم نجدْ خلفَ الندى إلا الندى
في الليلِ لم نجدِ النهارْ
لم يكنْ ليلاً. . .
ولكنْ كنتُ وحدي
لم أكنْ أصعدُ . . .
لكنْ أنزلوني
طلبوا منَّيَ أوراقي
ولمَّا لم أجدْها
ختموا لي بالسكاكينِ عيوني
إنما كنتُ عبرتُ البابَ...
لا بابَ سوى نفسي
ونفسي من ترابْ
لم يبيعوني فتاتَ الشمسِ في سجني
ولا شبَّاكَ ...
كي أشتريَ اليومَ مساءً
قطعةً من غيمةٍ ثكلى لتبكيني
ورطلاً من سرابْ
لم تعدْ تلزمُ أحلامي ... فيا من يشتريها
لم أعدْ طفلاً فأبكي
لم أكنْ بدراً ولا ليلاً لأشفي البائسينْ
أوقفوني عامدينْ.....
طلبوا منَّيَ أوراقي، ولمَّا لم أجدْها
ختموا لي بالسكاكينِ عيوني، ودخلنا
لا أنا إلا أنا.....
لم يبقَ مني غيرُ ما يبقى :
بقايا الجلدِ في الطرقاتِ
أغنيتانِ للمنفى...
ونصفانِ لنصفينِ يطوفانِ البيوتْ
كم نهاراً سوفَ ألقي في لياليَّ الحزانى
كي أراني اليومَ
كم عاماً سأحيا كي أموتْ؟!
كم طريقاً ...
سوف ألقى في طريقي ...
كي أعودَ إلى طريقٍ ...
للإيابْ......!!!
* * * *
أغلقي الأبوابَ وامضي...
إرحلي...
ما دامَ ذاكَ البابُ مفتوحاً
سيهوي أفقنا فوقَ الزمانِ المرِّ
كي يغلقَ بابي
وأبي...
هو يدري أنني في الجبِّ ميتٌ...
وهو يدري كلَّ ما بي...
أخبريهِ أنَّ من جاؤوا ليعطوهُ ثيابي
إخوتي همْ
هم كواكبُ كلِّ أحلامي التي
أسجد فيها من عذابي
وافتحي البئرَ عليّ
علِّميني كلَّ أسمائيَ وامضي
إن بعضي تائهٌ يغتالُ بعضي
فاعذريني، واعذريهم
كلُّ من قد عذبوني
وافتحي كل جراحي...
أغلقي كل عيوني
سامحيهم، إنّهم لا يعلمونْ
أنهم قد طلبوا مني أوراقي
ولما لم أجدها...........
قتلوني