رسالتي الأخيرة - نائل الحريري

- 1 -
ثلاثٌ من سنيِّ العمرِ مرَّتْ
وما أطفأتُ في قلبي اللهيبا
ولا استأصلتُ أعماقَ اشتياقي
ولا دمعي كففتُ ولا النحيبا
ثلاثٌ لم تزل ناراً، وداءً
صُلِبْتُ بها ، و أحملها صليبا
فلا ناري أودُّ لها انطفاءً
ولا دائي أريدُ لـه طبيبـا
- 2 -
سأفتحُ جرحَ أشواقي و أمضي
ولنْ أخشى عتيداً أو رقيبا
زمامُ القلبِ أفلتَ فاعذريني
ودمعي صاغ في خدي دروبا
لساني عاجزٌ إنْ قلتُ أهوى
فما للوصفِ فينا أنْ يصيبا
وما للوصفِ كانَ الحبُّ فينا
ولا للوصفِ أن يكفي حبيبا
سيلغي القلبُ ما يدعى كلاماً
ويرقى منبرَ الشكوى خطيبا
فيكوي الرّوحَ أنَّكِ أنتِ مثلي
وأُشهدُ في هوانا العندليبـا
- 3 -
رحيلٌ صاغَ مني ألفَ ميتٍ
يغنّي آهتي لحناً طروبا
رحيلٌ... كيف أكتبها كلاماً
و كيفَ أخطُّها دمعاً سكوبا
وكيف ستسكنين دروب قلبي
إذا خطَّ الرحيلُ ليَ الدروبا
أخافُ وداعَ عينيكِ الحزانى
وأخشى إن رأتني أن أذوبا
وأخشى إن رحلتُ بلا سناها
بأن أبقى بلا وطنٍ، غريبا
وتعـصرَ لي العيونُ الحزنَ ماءً
فأذكر دمعَ عينيكِ الحبيبا
وأذكر كيف كانتْ فيَّ روحٌ
فأنسى لونَ دمعي والشحوبا
"على جمرٍ تسيرُ بيَ الليالي"
سؤالاً حائراً يبغي المجيبا
لمن أشكو إذا فاضتْ دموعي
وضاق الصدرُ أعهدهُ رحيبا
- 4 –
شتاءٌ دائم الأحزانِ قلبي
وما لشتاءِ قلبي أنْ يذوبا
فما عرفَ الربيعُ إليهِ درباً
ولا عرف الشروقَ ولا المغيبا
فإن نثرَ الرَّبيعُ الحُبَّ ورداً
كسا الدنيا بهِ بُرداً قشيبا
سينسي الناسَ إلايَ اشتياقاً
ويسعدُ ما عدا قلبي القلوبا
- 5 –
بعيداً صرتُ يا حبي ، بعيداً
وأنتِ عهدتـني دوماً قريبا
ولكنْ ... كلُّ حرفٍ، كلُّ سطرٍ
يسطِّرُ بيننا بعداً رهيبا
أنا في مركبي أبكي طويلاً
وأنتِ اليومَ رامٍ قد أُصيبا
رماني بالهوى، حتى رماهُ
نصيبٌ، كيفَ نعترضُ النصيبا
- 6 –
خذي منِّي الغرامَ وفيضَ شوقي
فكمْ أخشى من الحبِّ الهروبا
وأخشـى – إنْ براني الشـوقُ – أمضـي
فلا أجدُ الشّمالَ ولا الجنوبا
خذي منِّي الحنينَ إذا افترقنا
فأخشى في متاهتهِ الذُّنوبا
وأخشى إن قرأتُ الذِّكرَ أتلو
"عيونُكِ تجعَلُ الوِلدانَ شيبا"
*
1998