حلم ليلة منتصف شتاء - نائل الحريري

مشفى الأمراض العقلية
العنبر 3
ليلة رأس السنة
- 1 -
خلفَ النوافذِ ساحرٌ
يطوي البياضَ من القلوبْ
ويبثُّهُ ملحاً ...
ويرحلُ كلَّما ثارتْ دمائي
ما زالَ نصفُ العمرِ مصلوباً على كتفيَّ
ثلجاً لا يذوبْ
والثلجُ نبضُ القلبِ
تنثرهُ السماءُ على سمائي
ميْتٌ...
ولو أشرعتُ أضلاعي شباكاً ما بناها عنكبوتْ
ميتٌ ...
ولو أكلَ النشيدُ فمي...
ولو أمر العبيدْ
ميتٌ ...
ولو عصفتْ بوجهي ألفُ نارٍ لا تموتْ
وطغى عليَّ الموتُ...
والميلادُ...
والفتحُ الجديدْ
عادَ المسافرُ يسحبُ الأوراقَ من كفِّ الزَّمانْ
ويسفُّ من أيَّامهِ ...
حتى يمزِّقَهُ الرِّهانْ
والثلجُ يمحو ما يريدُ بهِ...
ويكتُبُ ما يريدْ
هذا الطريقُ ممزَّقٌ مثلي...
وحيٌّ يفتحُ الأبوابَ للدَّمِ والهواءْ
وأنا المحَطَّمُ...
خلفَ نافذتي يُطِلُّ العمُّ (سانتا)
حاملاً في الكيسِ أشرعةَ البكاءْ
فأسيرُ من وجعي إلى وجعي
وتغمرني شرايينُ المساءْ
وأراكِ في عينيكِ
خلفَ الثلجِ والأفقِ البعيدْ
والحزنِ...
صارَ الحزنُ نافذتي
أتى عامٌ جديدْ
* * * *
- 2 -
العيدُ يقفزُ فوقَ أسواري
ويشربُ مقلتيّ
ولأنني وحدي
يقاسمني البكاءْ
والعيدُ خارطة تقسمني...
وتحيي العهدَ ما بيني وبيني
ترفعُ الآهاتِ قرباناً
لترفضَهُ السماءْ
والعيدُ ...
ذاكِرةٌ لأنسى أنني وحدي إذا مرَّتْ دقيقة...
والعيدُ ...
وجهٌ كي يخبِّئ كلَّ وجهٍ للحقيقة
من قيديَ المكسورِ أصرخُ
من صميمي، من فمي
عدِّي قُبَيلَ الفجرِ أضلاعي
وصبي الدمعَ في كأسي
وصلِّي، وابسمي...
قد كدتُ أنطقها فأخرسني دمي:
ألقاكِ...
في عينيكِ يحتفلُ المساءْ
ولربَّما
في ذلكَ المقهى الكبيرِ الآنَ تحتفلينَ...
.....
عامُ الحزنِ جاءْ
وأنا أراكِ ... ولا أراكِ
وحينما الأطيارُ تهجرُ عشَّها...
تنساهُ في أيدي الشِّتاءْ
ألقاكِ نجماً في فضاءِ الرُّوحِ ...
تنهشهُ الليالي
والثلجُ ... يُلهِبُ راحتيَّ
ويطفِئ الغدَ في خيالي
* * * *
- 3 -
عيناكِ قبرٌ مُشرَعُ الأكفانِ
يغرقهُ الحنينْ
يجتاحني
حتى أحسَّ بأنني قد صرتُ ... منِّي
والحزنُ في شفتيكِ طفلٌ تائهُ القسماتِ
يرقدُ في خيامِ اللاجئينْ
والخوفُ
حينَ يشلُّ ضحكتَهُ...
ويقطعُ كفَّهُ الدامي الذي قد مدَّهُ يوماً...
يغني
ها أنتِ منذُ اليومِ خارطةٌ لحزني
والمساءْ
أكذوبةٌ كبرى
يطرِّزها الشتاءْ
تنسلُّ من أصواتنا
تجثو على أكتافنا
وعلى أغانينا...
تحاصرنا لنغلقَ بابنا خوفاً علينا ...
كي نراقبَ من بعيدْ
"عادتْ إلينا من رسائلنا رسائلُنا
لنكتبَ من جديدْ"
ولأننا باقونَ حتى الموتِ
صرنا كالضفادعْ
نخشى بأنْ نُنسى بلا قبرٍ
ونلقى في الشوارعْ
صرنا نطأطئ بالرؤوسِ
لأيِّ شارٍ
أيِّ بائعْ
بعنا فتاتَ شعورنا
بعنا ضمائرنا
مشاعرَنا
وبعنا عاشقينا...
وغداً سنسألُ كلَّ من في السوقِ:
(يا من يشترينا...)
* * * *
- 4 -
يا هذه الملقاةُ بينَ دفاتري ومذكراتي
تعبتْ دواةُ الحبرِ من ألمي
وضاعَ فمي...وسلَّة مهملاتي
وأنا أرى (سانتا)على بابي
قتيلاً ...
دسَّ لي من خلفِ ثقبِ البابِ
أكوامَ الوصايا
وغداً ...
يعودُ يدقُّ بابي ألفُ (روبوتٍ) لتسليمِ الهدايا
* * * *
- 5 -
عبثاً أحاولُ...
ربَّما أنسى
إذا تنسى الحمائمُ خلفَ نافذتي الهديلْ
لو أستطيعُ . . .
فليسَ في دنيايَ شيءٌ مستحيلْ
عامٌ جديدٌ . . .
سوفَ يأتي بعدَهُ
عامٌ جديدْ
ولربما يوماً سأدري ما أريدُ
ولا أريدْ
فتذكَّري بدلَ البطاقةِ ذاتِها أنْ ترسلي
ما كانَ أكبرَ من تلافيفِ الحدودْ
أنْ ترسلي لي : كيفَ أنسى....
ربما ألقي بذاكرتي
وإنساناً أعودْ
وأذيبُ قلبي تحتَ أكوامِ الجليدْ
وكطعنةٍ في الظَّهرِ
يأتي بعدها عيدي السعيدْ
عيدٌ سعيدْ . . .
عيدٌ سعيدْ . . .
عيدٌ سعيدْ . . .