امرأة في داخلي - نائل الحريري

- 1 -
في داخلي قصيدةٌ تملؤني كثيرا
تملؤني سعادةً، ولهفةً، ونورا
في داخلي، تستيقظُ الصُّبحَ على بُكائي
وفي المسا تفرِشُ بينَ أضلُعي السَّريرا
حلمٌ شقيٌّ ساحرٌ، أطلَّ كالحكايا
وحينَ كانَ... صارَ قلبي كوكباً مسحورا
- 2 -
في داخلي طفلٌ صغيرٌ، لم أكنْ أراهُ
ولم أكن أحسبُ أن أشتاقَهُ أخيرا
يخنُقُهُ الخوفُ، فيغدو صوتُهُ أنيناً
يستنفذُ الشَّهيقَ من عَينيهِ والزَّفيرا
يبكي، وحدُّ السّيفِ فوقَ رأسهِ يُصلّي
ينتظرُ الرَّحمةَ، أو ينتظرُ المصيرا
يُغلِقُ بابَ حُزنِهِ في وجهِ كُلِّ يومٍ
ويرتدي وَحدتَهُ، وصَمتَهُ المريرا
- 3 -
لم ينتظرها مرَّةً بالبابِ حينَ جاءت
بدفئِها الغافي على الأهدابِ زمهريرا
جاءتهُ بالحُزنِ إلى أحزانِهِ، وغابتْ
فارتدَّ قلبُهُ وراءَ خطوِها حسيرا
من كان َيدري أنّ هذا الحزن سوفَ يجلو
عينيهِ من رقادهِ، فيستوي بصيرا
وأنّ صوتي – منذُ عاثتْ فيهِ – صارَ مثلي
أنينَ جيلٍ قادمٍ ينتظرُ التَّغييرا
هذا أنا من بعدها، ملوّناً كطفلٍ
أبكي بألفِ لُغَةٍ، وأكرهُ التّفسيرا
صرتُ أغنّي كلَّ من عاشوا بلا عيونٍ
وكلَّ عشقٍ لم يزل في مهدهِ ضريرا
وصارَ للشمسِ وللسَّماءِ ألفُ طعمٍ
وصارَ ملمسُ الهواءِ والشَّذا حريرا
- 4 -
يا سادتي، كم عالماً يعيشُ في دمائي؟
كم كوكباً تركتُهُ فيَّ لكي يدورا؟!
وكم أباً في داخلي يحيا، وكم مراهقاً
يبكي، وكم عاشقةً خجلى، وكم صغيرا؟!
أسئلةٌ، أسئلةٌ... تنبتُ كالمرايا
تُطلقُ في أصابعي الغزلانَ والنُّسورا
وتَعجِنُ الأقلامَ في يديَّ حينَ أبكي
وتَرفَعُ الجُدرانَ في عينيَّ كي أثورا
- 5 -
يا ذلكَ الحبُّ الذي أفلتني شراعاً
طويتُ في جناحهِ الحروفَ والتّعبيرا
يا من تأخّرت عشرينَ سنةً، لتأتي
حاملةً لي وطناً لا يدفِنُ الشُّعورا
ورشَّتِ الملحَ على جرحي، فصارَ زهراً
وأطلقتْ في القلبِ من نزيفِهِ العبيرا
ما زلتُ في خطواتيَ الأولى إليكِ أحبو
وبعدُ ما زلتُ جديداً في الهوى، غريرا
- 6 -
أُحِبُّني بَعدَكِ في صوتِ الرَّصاصِ حولي
ذاكَ الذي يَغتالُني، يغتالُني تشهيرا
أُحِبُّني في كُلِّ مَنْ أهدَيتُهُم أوطاناً
وأبصَروا من بعدِنا النُّورَ، فكانَ نورا
أُحِبُّني في ذلِكَ القادِمِ حينَ يأتي
رغماً عن الزَّمانِ يأتي، ثائراً شِرِّيرا
يلُفُّ حولَ عُنُقي حِبالَهُ فِداءً
ومن هُناكَ يرفسُ الأرضَ... لكي تدورا
*
2007