اشتهاءات.. على مسرح عصفورٍ واحد - ياسر الأطرش

أتشهّاها أنثى
لا تعرفُ إلا الليلَ
وما في الليل من الجوع الوحشيّ القارسِ
أدفنُ بين ذراعيها البضّينِ بكائي
وبقيّة عمري المهترئِ
كنعل حذاءْ
وبنوم الشهوة، أتشهّى
تلك الوافدة من القمحِ
الشعرُ بيادر تضحيةٍ
والقامةُ صيفُ المقتولين بسيف الأرضِ
وتنفضُ عن ذاك الحُسن الريفيِّ وقاحةَ قلبي
أسرقُ من وحي الحُسنِ الغضبان عليَّ
شَتَاتَ رداءْ..
وأغصُّ بكلّ الأشياء
وكلِّ الوقتِ
ولا أبكي..
أتشهّى أنثى
تطلقني في البرِّ.. بكاءْ
يا خادمة الطينِ
لماذا وزّعتِ الأوزار علينا
وصنعتِ عصافير الحزن من الصلصال الطفلِ.. غناءْ
حين يغني في وطني عصفورٌ
أحزنُ
أتشهّى بنتاً تحملني بين ذراعيها كإناءْ..
يا سيدة الطينِ
الطينُ تلوّثَ بالثوراتِ
وبالحزن الأمميِّ
-وعفوكِ والجمهورَ لسُخْفِ اللفظةِ-
بالفقراءْ..
أتشهّى أنثى تحملني قبل جفاف العمرِ.. إناءْ
وتهزُّ سريري الشوكيّ بكفّيها
كي أصلَ الفجرْ
منفيّاً
من بئر الظلِّ إلى عينيها
قبضةَ ماءْ..
حتى عند سقوط الأوجهِ
في حفل التوقيع عليَّ
وفي مملكة الليل المتّهمِ بتزويرِ القلبِ
وتهريبِ الأشواقِ
تراني..
تعرفني من أَلِفِ البردِ
إلى آخر أسرار الياءْ
حين تحبُّ الأنثى
تعرفُ
كيف ترمّمُ جسر التاريخ المكسورِ
بكفٍّ طفلْ!
كيف تصير حصيرٌ حقلاً
كرسيُّ القشّ بساتيناً
والرّجْلُ الخاطئةُ.. سماءْ
حين تحبُّ الأنثى
تقتل كلّ عصافير الأيامِ
على مسرح عصفورٍ واحدْ..
وتطيرُ بأجنحة الحُلْمِ
إلى عينيهِ
وتغلقُ دائرة الأحلامِ
وذاك فناءْ..
وأنا أتشهّاها أنثى
تبصقُ في طبعي المغرور
تكنِّسُ ألوان المرآةِ
وتهمسُ أغنيةً بيضاءْ
تمسحُ عن ذاكرتي الطينَ
وحين أغصُّ بما في القلبِ
تضمُّ يديَّ
وتبكي
فأنا الآن بكاءْ..