الهجرة الخامسة - محمد نجيب المراد

نَشزتْ زينبٌ وبانتْ سعادُ
فَأَرِحنا من الهوى يا فؤادُ

لم يعدْ ههنا بقيّةُ حب
جفَّفتَ الهجرُ نَسفها والبعادُ

أسقمتني العيونُ منذ قديمٍ
فمريضَُ أنا ولا عوَّادُ

كم سؤالٍ على الشفاه تأبّى
وجوابٍ صعبٍ فلا ينقادُ

ودموعٍ سَكبتُ سِراً بليل
يعلمُ الله حرَّها والسُهادُ

كم تلعثمتُ بينَ عينيكِ شعراً
نَطقَ الصخرُ تحته والجمادُ

وتَتَأتأتُ مطلعاً من قصيدٍ
سَكِرتْ من دلالهِ النقادُ

وتمنعتِ رغم حبًّ دفينِ
أفسدَ الكبرُ بيننا والعنادُ

ركبتْ رأسَها النفوسُ فطاحت
تحت هَولٍ من الهوى الأجيادُ

كُتبتْ قسوةُ الشَتاتِِ علينا
فسنونٌ قحطٌ وسبعٌ شدادُ

وبلادٌ ورحلةٌ وجوازٌ
وجوازٌ ورحلةٌ وبِلادٌ

وضياعٌ في رحلة القمعِ والقمحِ
وخوفٌ مكثفٌ واضطهادُ

وحوارٌ بين المطاراتِ والليل ِ
فأبكي ويشهقُ الأولادُ

يا أبانا قالَ الصغارُ تعبنا
سفرٌ دائمٌ فأين المرادُ

يا أبانا كيفَ الخلاُص ورفقاً
بطيورٍ قد هدَّها الإجهادُ

خنقت حسرتي الجوابَ ولكنْ
كرَّروا لي أقوالهم وأعادوا

يا أبانا ما زلتَ تحملُ جُرحاًَ
يتنامى مع الأسى يَزدادُ

إنَّ باريسَ عند رجليك جاءتْ
فلماذا هذا الجوى والحِدادُ

يا أبانا حزنٌ بعينيك يبكي
وعلى " السينِ " بهجةٌ وودادُ

ما الذي في عروق قلبك يجري
شجنٌ دائمٌ وذكرى تعادُ

حَلبٌ قلتَ ثم ماذا دمشقُ
ثم ماذا الرباطُ أو بَغدادُ

ثم ماذا الكويت شيءٌ غريبٌ
أَوَ تُشْجيكَ يا أبي الأحقادُ

عربٌ تبرؤ العُروبة مِنهمْ
فلماذا ؟ .. وتبرؤ الأجدادُ

ولماذا ؟ .... ويبرؤ الله منهم
فلماذا ؟ .. تُصِرُّ والقومُ بادوا

أثمودٌ .. عادتْ ثمودٌ جهاداًَ
وإلى الشرق عادَ " رسُّ " و " عادُ "

وطغى في البلاد ظلمٌ وفسقٌ
وعلا كلَّ سيدٍ قوادُ

عُبَدَ الفرد عندكم يا أبانا
أوَ ترضى أن يَعبدَ الأحفادُ ؟

صَنَمٌ شكلوا وقالوا إمامٌ
أَإِمامٌ مع الهوى يَنقادُ

هذه أمّةٌ تهتكها الفَردُ
وأفنى أحرارَها الجلاّدُ

لَعَنَ اللهُ أمَّةٌ سادَها الظلمُ
وقادتْ جموعَها الأوغادُ

إنَّ لوطيةً تؤسِسُ حِزباً
بافْتخارِ ويُمنعُ العُبّادُ

وسُحاقٌ على الأثير عياناً
يا أبانا فَتعرقُ الأمجادُ

أيُ مجدٍٍ هذا وأيُ برازٍ
لعَقوا الشعبَ استهمْ واستزادوا

أمةٌ عندها حاضت الرجالُ
وخاضوا مع الخنا أو كادوا

فامسحِ الدمعَ يا أبانا وعفواً !
ليسَ يُجدي لو تُسفحُ الأكبادُ

كلَّ هذا أدري وإني شهيدٌ
سَقطت أمتي وضَاعَ الرشادُ

عَربٌ ماتت البَداوةُ فيهمْ
وقضى نحبَهُ الأبُّي الجَوَادُ

" وثنَُ " حادَ فيهمُ فتلاقَوْا
عند أقدامِهِ سجوداًَ وحادوا

ذبحوا حَرَّهم فكان ارتداداًَ
كَيفَ تمشي عقَيدةٌَ وارتدادُ

طردوا الشِعرَ والقصائدُ تَدري
كَيفَ ماتَتْ وكيفَ كان الطَّرادُ

رحلَ الشاعِرُ النبيلُ طليقاً
فإذا كُلُّ يعربٍ أصْفادُ

أمَّةٌ تخنقُ العصافيرَ ليلاً
وتَباهي بالفكرِ كَيفَ يصادُ

أمَّةٌ تحرق القواميس قُلْ لي
كيف ينمو قافٌ هناك وضادُ

وَجَعي أنني المطرَّزُ ِ عشْقاً
في هوَاها وأنني المنقادُ

نَقشتْ حبَّها فكنت حديداً
في يَديها وحُبُّها الحدَادُ

حَفَرَتْ اسمَها بزيتٍ ونارٍ
وقليلٌِ من حَرَّه وقادُ

فَوداعاً يا جُرحَ قلبي وَداعاً
ووداعاً فدمعتيَّ ضِمادُ

ووداعاً ويصدأ الحبُّ بَرداً
ويموتُ الهوى ويخبو الزنادُ

ووداعاً لمهجةِ الشَمسِ والرملِ ..
ووداعاً وليفرح الحسَّادُ

ووداعاً يا غوطةَ الشام عهدي
أنني الوعدُ والهوى ميعادُ

وسلاماً على حَماةَ وإني
- يشهدُ اللهُ – سَيفُها والمدادُ

ووداعاً أرض الكِنانَةِ " شوقي "
ضِمنَ قلبي والسيدُ " العقادُ "

ووداعاً آلَ النبيَّ وعُذراًَ
رَغم ظلمٍ فأنتمُ الأسيادُ

ووداعاً قَبرَ النبيَّ وإني
أحمدي الهوى ولي أورادُ

وسلاماً على المقامِ وحسبي
يا خَليلَ الرحمنِ أني امتدادُ

هذه الكَعبةُ المليئةُ بالنورِ
وهذا الترتيلُ والإنشادُ

هاجَرتْ في دمِائيَ الأبيَّةَ لما
أجْبرتني على السُّرى الأوغادُ

هجرتي ، هجرةُ الضعيفِ المعنى
سفكوا دينَه وقالوا فسادُ

يا حمامَ الحمى أتعرف وجهي
عندما ينكرُ الهوى الأشهادُ

يا حمام الحمى أتشهد أني
رويتْ من مدامعي السُجادُ

إن روحي على الصفا وفؤادي
في ابتهالٍ وشاهدي أجيادُ

يعلمُ الغارُ والخيوطُ بأني
نسجتْ هجرتي القلوبُ السوادُ

أنا يا زينبٌ أحبك حتى
بادلتني حُباً بحبًّ سُعادُ

غيرَ أن الهوى على القمع عجزَُ
وانتصابي على الخَنَا استعبادُ

فانشُزي زينبُ وموتي سُعادَُ
واهجُريني على الظَما يا نُهادُ