الأستاذ - محمد نجيب المراد

فؤادُكَ محزونٌ وطرفُكَ دامعُ
وشِعرُكَ في ذكرى بثينةَ ذائعُ

وليلُكَ منسوبٌ لبشرةِ خَدِّها
فللِّهِ هذا الليلُ كَمْ هوَ ناصعُ

تنامُ البرايا إذْ يطولُ سُهادُها
ورغمَ سُهادِ العمرِ ما أنتَ هاجعُ

هو الهجرُ قَدْ أضناكَ قلباً وقالباً
وما عادَ في أفْقِ الوساطةِ شافعُ

لعمرُكَ كَمْ أسرعتَ في الصُّلحِ نحوها
وحاولَ أهلُ الخيرِ صُلحاً وسارعوا

وغنَيّتَها شِعراً أذابَ حجارةً
فذابتْ، ولكنْ ما تزالُ تمانعُ

يميناً، إذا أنشدتَ زلزلها الهوى
وهزَّتْ جذورَ القلبِ فيها المطالِعُ

وواللهِ قد ضَنَّتْ عليكَ وإنها
لَيصْرَعُها وجدٌ ولكنْ... تُصارعُ

هو الحُبُّ مُذُ قد كانَ في الحُبِّ مبتلىً
فقلبٌ مُدِّلٌ، عند آخرَ خاضعُ

****

بثينةُ، هلْ تدرينَ ما الشوقُ فاعلٌ
إذا زادَ هجراني وما أناْ صانِعُ

سأبقى على الفعلِ القديمِ مصمِّماً
وفعلُ الهوى ماضٍ وأيضاً مضارعُ

****

سأكتبُ فوقَ البحرِ والشمشِ والمَدى
حكايةَ حبِّ، خضَّبَتها المدامِعُ

فمن ثُلْثِ قَرنٍ مطلبي متواضعٌ
فساعةُ وصلٍ مطلبٌ متواضعُ

وأطمعُ حتى بالأقلِّ وإنني
بلحظةِ وصلٍ ليس أكثرَ طامعُ

فليتَ زمانَ الفلِّ والوردِ عائدٌ
وليتَ الذي قد كانَ في الحُبِّ راجعُ

وليتَ العشيَّاتِ اللواتي إئتمنتُها
تعودُ، وهل عادتَ بدهرٍ ودائعُ!!

وليتَ نجومَ الصيفِ حين قطفتُها
وعلَّقتُها عِقداً عليكِ لوامعُ

وليتَ حماماً فوق صفصافِ دارِنا
وتحتَ ظِلالِ الزيزفونةِ ساجِعُ

وليتَ على النهرِ الحبيبِ نسائماً
تداعبُ خدَّ الماءِ وهْو يطاوِعُ

وليتَ غيوماً فوقَ داري وحارتي
ومسكنِ أحبابي... غيوثٌ هوامعُ

وليتَ أذانَ الفجرِ ما زالَ عابقاً
وعطرَ صلاتي تحتويهِ الجوامعُ

****

وليتَ على المحرابِ (أحمدَ) جالسٌ
يلقِّنُ عِلْماً للورى ويتابعُ

خطيبٌ له فوق المنابرِ وِقفةٌ
تَهُزُّ وفي سِحْرِ البيانِ، بدائعُ

ومنهُ تعلَّمنا القراءاتِ عذبةً
فترتيلُ آياتٍ مع المدِّ رائِعُ

ومنهُ تعلَّمنا الحديثَ مسلسَلاً
فحدَّث (سفيانٌ) وأخبرَ (نافِعُ)

ومنه عرفنا (المنحنى) و(مُحَصَّباً)
(ووادي النقا) حيث الظباءُ الرَّواتِعُ

وكمْ وصفَ الأستاذُ أطلالَ (رامةٍ)
ومن حُسْنِ وصفٍ لامَسَتْها الأصابعُ

إذا شَرحَ القانونَ، فقهٌ مقارَنٌ
وإن شَرَح الأرواحَ، صَبٌّ ووالعُ

****

كذلكَ، أقدارُ الرجالِ تَشَكَّلتْ
وبالعقلِ والأرواحِ تُملى الشرائعُ

فيا أيها الأستاذُ إنِّيَ شاهدٌ
بفضلِكَ ... ها برهانُ شِعرِيَ قاطِعُ

فمنكَ قوافي الطيبِ صغتُ عبيرَها
فمسكُكَ فوَّاحٌ وشعريَ ضائعُ

وأبحرتُ في عينيكَ أجمعُ لؤلؤاً
فمنكَ إلى عينيكَ هذي المقاطعُ

وأنتَ الذي أَرضَعَتني فنظَمتُها
فحارتْ بشِعري في هواكَ المراضعُ

فشنَّفتُ أرواحاً وحرفُكَ آلتي
كذلكَ أرواحُ الرجالِ مسامعُ

****

وأنتَ سليلُ العارفينَ لربهمْ
وتشهدُ في هذا عليكَ طبائعُ

رجالٌ، رأيتُ اللهَ يرفعُ قدَرهم
وزادَهُمُ رفعاً بأنْ يتواضعوا

بدورٌ وتمشي فوقَ أرضٍ وإنَّما
لها شَبَهٌ في ليلةِ النِّصفِ طالعُ

لهمْ ورعُ الماشي على خَطِّ شَعرَةٍ
يُبَطَّئُ حيثُ الغُنْمُ لا يتدافعُ

"أولئك آبائي" وفخري بفعلِهِم
إذا جَمعْتني يومَ فَخْرٍ مَجامعُ

****