صدأ - أحمد بشير العيلة

نبضكَ - يا مسكين - ضباب
يملأُ نافذةَ رؤاك
يخنقُ أنفاسك
يطعنك بعنفٍ في كل محاولة تَفَتُّح
احذر ْ
لوحاتُ طموحك ينهشُها صدأٌ فتّاك
يمتدُّ من اللون الأول في روحك
حتى خطِ حدود النرجس في بلدك
هذا الجسد الناحل
مسجونٌ بين وثيقتك الباهتةِ الجذر
مسكينٌ دمعُك
جَفَّ من الحُرقة
اجمعْ ما بقيَ لعظمك من لحمٍ وعرائش
عسى أن تنهض
بطِّن صومعتَك
اسكنْ داخلها رصاصاً مدفوناً في الرمل
لا وطنَ لديك
اصدأْ كما تبغي السياسة
اليافطاتُ تمرّ في أذني بلا معنى
أحلامنا اهترأتْ
تفتّتتِ البشارةُ عند أول الأخبار
لا كفان لي لأجبرها
" مِثْلَ الزُّجَاجَةِ كَسْرُهَا لا َيُجْبَرُ " .
...
أنا صدِيءٌ بما فيه الكفاية
لا مطر ٌعلى قلبي
ولا أحلام
أنا الآتي من الوجع ِ
على كتفي نهار ٌذابلٌ لا حَدََّ له
كيف أَمُرُّ في الأخبار حُلْواً يافعاً
وألفُ قُفْلٍ في براعمنا ؟
كيف أهرِّبُ الأنهار َ في قصص الغرام
وألفُ صحراء ٍتعاندني ؟
كيف تضمني لغتي نبيّاً من قرنفل
وألفُ سدٍّ بين غاري والبشر ؟
كيف ؟ .. كيف ؟
أأطلعُ يا صحاب
أأحتملُ الرجوعَ إلى كيان النرجسة
أتحتملُ الجسور َرجوعَ أغنيتي
وبين أساسها صدأُ الممالك
أنا صدِيءٌ بما تُملى السياسة
لا نُضْر لي
رسائلُ الأحباب/ كيمياءُ التعازي
محاريثٌ لأطنان الصدأ
أستغلُّ تفكُّكاً في نقطةٍ بالعمق
كي أنجو بضوئي
ليمدَّ جذراً في الشقوق .
...
جلدي تآكل
لا سقف للنجوى إذن
ولا للأغنيات
لا أرض للتطريز المقدسيّ على تفتُّح صدرها
ولا دبكات
منهارٌ تماماً
مثل مئذنةٍ أطاحتها القذيفةُ فجر هذا اليوم
البلاد تخون مخلصَها
تَحْقِنَهُ بفقر ٍ دامسٍ ضَنِكٍ
جلدي تآكلَ
جيشٌ من الصدأ اللعين اجتاحني
هل يسيرُ العالمُ المجنون عكس الزنبقة ؟
إنه الصدأ المكلَّس فوق جسمي
قارةٌ قصوَى من اللعناتِ
والخنقِ المُبَرْمَج
صدأٌ يُحوِّل صرحَ قامتنا إلى حشرة
صدأٌ يفتّتُ حلمنا
ويهمِّشُ التاريخَ
محقونٌ فضائي بالضمور
مطحونٌ مدايَ بألفِ جور
من العراق إلى اليمن
وأنا أئنُ
أنا وَهِن
قارةٌ قصوى من البرد
لا كوفيةٌ للدفء
أو كفٌّ تَحِنُ ...
ولا وطن .
_________
31 / 5 / 1994