إلى عزيزٍ لهُ في مُهْجَتي نُزُلُ - هلال الفارع

سَاَلْتُ عنكَ، فَقالوا عَنْـك مُنْشَغِـلُ
فَقُلْتُ أَكْتُبُ نَبْضِـي، عَلََّـهُ يَصِـلُ

وَأَسْتَمِيحُ حُـروفَ الضَّـادِ قافِيَـةً
تَأْتِيكَ صادِقَـةً، بِالشَّـوْقِ تَكْتَحِـلُ

وَيَشْهَـدُ اللهُ أَنَّ الْـوُدَّ يَدْفَعُـنـي
إِلى عَزِيزٍ، لَهُ في مُهْجَتـي نُـزُلُ

أَدري بِأَنَّـكَ تَعْـدو خَلْـفَ قافِلَـةٍ
مِنَ الْمَشاغِلِ تَغْدو، ثُـمَّ لا تَصِـلُ

باتَ الزَّمانُ لَـدَى كَفَّيْـكَ مُرْتَهَنًـا
يَمْضِي وَتَمْضِي إِلى أَنْ يَتْعَبَ الْكَلَلُ

فَيا جَمالُ، رَعـاكَ اللهُ يـا رَجُـلُ
يا دَوْحَةً، في بَهاها الشِّعرُ يُرْتَجَـلُ

عِنْدي كَما عِِِنْـدَكَ الأَيَّـام قاسِيَـةٌ
كَاَنَّها السَّيْفُ، يَجْلُو حَـدَّهُ الأَجَـلُ

كَاَنَّ بَيْني وبَيْـنَ الدَّهْـرِ اُحْجِيَـةً
عَمْياءَ تَسْعى على أَهدابِها الْحِيَـلُ

يا صاحِبي باتَ هذا العَيْشُ مَهْزَلَـةً
يَشْقى بِها الحُرُّ، أَو يَرْقى بهِ السَّفَلُ

آتٍ عَلَيْـكَ زَمــانٌ لا يُعانِـقُـهُ
إلا شُموخُـكَ، أَو إِخْفاقُـكَ الْجَلَـلُ

فَاسْرِجْ يَدَيْكَ، وَغادِرْ بوْحَ راجِفَـةٍ
واحْذَرْ إِذا هَـمَّ أَنْ يَغْتالَـكَ الْخَلَـلُ

أَما وَقَفْتَ علـى بَغْـدادَ مُحْتَرِقًـا
والْحُزْنُ في نَبْضِكَ المَهزومِ يَعْتَمِلُ؟

وهلْ شَبِعْتَ بُكـاءً مالِحًـا وَدَمًـا
أَمْ أَنَّ جُرْحَكَ مِثْلي، ليسَ يَنْدَمِـلُ؟

وهلْ رَأَيْتَ هَوى الزَّوْراءِ مُنْكَسِـرًا
والماجِداتِ بدمع العيـن تَغْتَسِـلُ؟

تِلْكَ الحَرائِرُ ظَلَّـتْ تَرْتَجـي بَطَـلاً
حَتى اسْتَكانَتْ، وَأَدْمى حُلْمَها البَطَلُ

مـا ذَلَّ ذو شَـرَفٍ إِلاّ بِمُنْصَـرَفٍ
عَنْ هَبَّةِ الخيْلِ تَعْلو رَأْسَها الأَسَـلُ

وما اسْتُبِيحَ حِمـى قَـوْمٍ يُسَيِّجُـهُ
نَزْفُ الصُّدورِ، وَسَيْفٌ هَزَّهُ رَجُـلُ

آهٍ مِنَ الزَّفْرَةِ الحَمـراءِ تَحْرِقُنـي
آهٍ مِنَ الصَّمْتِ يَخْزَى دُونَهُ الْخَجَـلُ

إنِّي أُفَتِّشُ عَنِّـي خَلْـفَ رامِحَـةٍ
فَلا أَرَى غَيْرَ تِيهٍ، صَاغَـهُ الزَّلَـلُ

كَأَنَّما الْحُـزْنُ مَرْهـونٌ بِأَوْرِدَتـي
وفي الْحَنايا بَقايـا هَدَّهَـا الْوَجَـلُ

هذا الْمُنَشَّرُ يا بغـدادُ مِـنْ دَمِنـا
ضاقَتْ بِهِ الأَرْضُ والآفاقُ والسُّبُلُ

وَنَحْنُ صَرْعى حَيارى في مَخادِعِنا
يَقْتاتُنا الجُوعُ والإِعيـاءُ والْخَبَـلُ

ما زالَ في الْعَيْنِ دَمْعٌ يُسْتَجارُ بِـهِ
حَتَّامَ تَبْكي، وَيُدمي عَيْنَكَ الثَّكَـلُ؟!

فاقْبِضْ دُموعَكَ واسْفَحْ دَمْعَ أَعْيُنِهِمْ
ولا تَقِفْ خانِعًـا يَسْتافُـكَ الفَشَـلُ

وَسَـمِّ بِاللهِ، وامْـدُدْ فـي أَعِنَّتِهـا
فَخَيْلُ رَبِّـكَ مَعْقـودٌ بِهـا الأَمَـلُ