إنَّما العارُ أنْ يَهونَ السِّلاحُ - هلال الفارع

أَقْفَرَ الْحَقْـلُ فاهْدَئـي يـا ريـاحُ
قَتَلَ النَّـاسُ ناسَـهُ، واسْتَراحـوا

قَتَـلَ النـاسُ ناسَنـا، وَتَنـاخَـتْ
( مِلَّةُ القَصْرِ ) والجُيوشُ الـرَّداحُ

كـمْ تَنـادَوْا إلـى لِقـاءٍ وَحَشْـدٍ
وَتَباكَـوْا، وَدَمْعُـنـا الْمُسْتَـبـاحُ

خَيَّـمَ الصَّمْـتُ غَيْـرَ أنَّ المنايـا
ناطِقـاتٌ بمـا رَوَتْـهُ الْـجِـراحُ

والْعُـروقُ التـي تَمـادَتْ مُداهـا
شَرِقَـتْ مِـنْ نَزيفِهِـنَّ الْبِـطـاحُ

لا تَئِنِّـي، ولا تَروحـي وَتَـغْـدي
ليسَ في الحَقْلِ شاخِـصٌ يُسْتَبـاحُ

لا تَنُوحـي، فنحـنُ مثلُـكِ نُحْنـا
واخْتَنَقْنـا، ومـا أَفــادَ نُــواحُ

واهدَئي قدْ هوى على السَّاحِ عِرْضٌ
يَتَعَـرَّى علـى العُيـونِ، مُـبـاحُ

أَيُّها الرِّيحُ: مَنْ سَيَسْتُـرُ عِرْضًـا
شَرَّعَتْهُ على السِّنـانِ الرِّمـاحُ ؟

وَيْـحَ قابيـلَ إذْ تَنـاثَـرَ عــارًا
خَجِلَـتْ مِنْـهُ نابِحـاتٌ وســاحُ

وَيْحَهُمْ كيفَ لـم يُـوارُوا نُحـورًا
حينَ دارَتْ على النُّحـورِ الْقِـداحُ؟

أيُّها الرِّيـحُ: تلـكَ راحَـةُ طفـلٍ
يَسْجُدُ الََّليـلُ عندَهـا، والصَّبـاحُ

تَتَحَـنَّـى بِنَزْفِـهـا، فَدَعـيـهـا
تَتَلَهَّـى بِنَزْفِـنـا يــا رِيــاحُ

غَيَّـبَ اللهُ أُمَّـةً لــم يَرُعْـهـا
كَفُّ طِفـلٍ يُسَـنُّ فيهـا السِّـلاحُ!

مَوْكِبَ الموْتِ كـم طَوَيْـتَ رِجـالاً
وَتَهـاوَتْ علـى يَدَيْـكَ الْـمِـلاحُ

ليتَ شِعْري، وكم طَمَسْـتَ عُيونًـا
هُدْبُها الّليـلُ، والدُّمـوعُ القِـراحُ

أَيُّها الرِّيحُ، صَرْصَـرٌ أَنـتِ فينـا
وَسَـلامٌ علـى الْقُـصـورِ، وراحُ

يَعْجِزُ القَلْبُ عـن نِـداءِ الضَّحايـا
تَتَنَـدَّى، ومـا غَشَاهـا وِشــاحُ

رُبَّ ليـلٍ يَـذوبُ فينـا عُــواءً
ونَهـارٍ يَـنِـزُّ مِـنْـهُ النُّـبـاحُ

والثَّكالى علـى الرَّصيـفِ حُبالـى
والْــوِلاداتُ كُلُّـهُـنَّ سِـفــاحُ

مَوْكِب َالموتِ مَن على الحَدِّ ماضٍ
بعدما أُفْـرِدَ الرِّجـالُ، وطاحـوا؟

مَنْ سَيَمْضي إلـى عِنـاقِ الْمَنَايـا
دونَ أُفْـقٍ يَـرِفُّ فيـهِ الْجَنـاحُ ؟

أَدْلَج الْمارِقـونَ فـوقَ الضَّحايـا
فَتَعالـى مِـنَ الْجُـروحِ الصِّيـاحُ

وَتَهـادَتْ مِـنَ النَّزيـفِ حِــرابٌ
حَدَّثَتْـنـا بِـمـا رَواهُ الْكِـفـاحُ

كُـلُّ حَسْنـاءَ وَجْهُهـا كالأَقاحـي
زَنَّرَتْ خَصْرَهـا الخُيـولُ الجِمـاحُ

قَدَحَـتْ دَرْبَهـا السَّنابِـكُ حـتَّـى
فَجَّرَتْـنـا، وَصَمْتُـنـا ذَبَّــاحُ !

كُـلُّ وَرْقَـاءَ دَمْعُهـا كالـلآلـي
أَغْرَقَتْنـا، وَعَزْمُنـا ضَحْـضـاحُ

أَفْزَعَتْـنـا بِنَوْحِـهـا، فَخَجِلْـنـا
ومضيـنـا، وَجُبْنُـنـا فَـــوَّاحُ

قَدْ جَزِعْنا لِمـا نَـرى غَيْـرَ أنَّـا
ضـاعَ مِنَّـا السَّفيـنُ والْـمَـلاَّحُ

ذاكَ حَظُّ الضِّعافِ، إنْ جَـلَّ خَطْـبٌ
شَمَّروا عَنْ خُوائِهِـمْ واسْتَراحـوا

وَمَضَـوْا فـي طَلاسِـمٍ وَضَيـاعٍ
وَتَآويـلَ مـا رَوَتْهـا الصِّـحَـاحُ

فَتَصيـرُ الدِّمـاءُ شِعْـرًا مُقَـفًـى
وَيُديـرُ الصِّـراعَ منهـم وَقــاحُ

إنَّهـم شـاهِـرونَ للسَّـيـفِ إلاّ
أَنهـم خاسِـرونَ حَمْقـى كُسـاحُ

خَبَّـأَ الجُبْـنُ للرُّجـولَـةِ حَتْـفًـا
لا طَبـيـبٌ لــهُ، ولا جَــرَّاحُ

وَيْـحَ قَـوْمٍ ثُغورُهُـمْ ثـاكِـلاتٌ
وَيْـحَ قـومٍ أمْجادُهُـمْ تُسْتَـبـاحُ

زَعَمـوا أَنَّ للـحُـروبِ حِسـابًـا
وَخَرابًـا، وَليـسَ فيهـا مُـزاحُ !

وَأَشاعـوا بِأَنَّنـا قــد خَسِـرْنـا
وَعَسِرْنـا، وَأَثْخَنَتْنـا الْـجِـراحُ !

ليـسَ عَيْبًـا إذا خَسِرْنـا حُروبًـا
إِنَّمـا العَـارُ أنْ يَهـونَ السِّـلاحُ

ليـسَ عَيْبًـا إذا عَسِرْنـا زَمانًـا
إنَّمـا العـارُ أنْ يَخـونَ الشِّحـاحُ

أُمَّـةَ الغَـزْوِ، مَـنْ يَبيـعُ إِبـاءً
سَـطَّـرَتْــهُ الأَوْدَاجُ والأَرْواحُ ؟

أَسْـرَجَ النَّـاسُ خَيْلَهُـمْ واعْتَلَيْنـا
ظِـلَّ نَـعْـلٍ ، كَأَنَّـنـا أَشْـبـاحُ

ذاكَ حَـظُّ البُغَـاثِ لـو لاحَ نَسْـرٌ
تَتَـهـاوى، وَدَمْعُـهـا سَـحَّـاحُ

بِئْسَ عيشٌ فُصولُـهُ مِـنْ نَجيـعٍ
فـي دِنَـانٍ سُعاتُـهـا الـنُّـزَّاحُ

يَظْمَـأُ الماجِـدونَ فيِـهِ، وَيَـرْوى
مُسْتَكـيـنٌ ومــارِقٌ سَـفَّـاحُ