لوحتان - هلال الفارع

(1)
بِضْعُ نِساءٍ مِن بلادي
كنَّ في المطــارْ
يُرْبِكْـنَ قاعـةَ المُغَـادَرَهْ
يَعْلِكْنَ أنظـارَ المسـافرينَ والمُوَدِّعِينَ،
والأنوفُ حَوْلَهُنَّ تَرتـوي
مِن صَلَفِ السَّجائرِ المُعَطّـرَهْ.
سـِـرْبٌ من السـيقـانِ
كان يَـنْهَبُ العُيـونَ كُـلَّـما الْتَـوَى
وكانتِ العيـونُ
في أوراقِ تُوتِهنَّ غائـرهْ
وبين لحظـةٍ وديعـةٍ
ولحظـةٍ مُغَايِـرهْ
كانتْ تَمُـرُّ بينهنّ مَنْـظَـرَهْ
وكانت الأصابعُ المطليـةُ الْمُذَهَّبَـهْ
تَمُرُّ في رشاقةٍ شقيّـةٍ على العقودِ والخـدودِ
والحواجبِ المرتَّبَـهْ
وفي الشـعورِ .. والمشـاعر المسـافرهْ .
بضـعُ نســاءٍ
قيــلَ: مِن مُجتمـع الكِبــارْ
ثَرْثَــرْنَ .. كَـمْ ثَرثَـرْنَ في المطـارْ !
وَقَـفْـنَ ,, كَـمْ وقَفـنَ في مرمى زجـاج الواجهـاتِ
يخْتلسـنَ نظـرةً
إلى مَسَـاقِطِ الصُّـدور تارةً
وتارةً للأذرُعِ المُسَفَّــرهْ...
***
دار الحديثُ في الشِّـفاهِ الثـَّرَّةِ المُحَمَّـرَهْ
وكـانَ حولَ ما يُنَغِّـصُ الطيـورْ
وحـولَ ما يُشـَاع عن تـَضَخـُّمٍ مُفْتَـَعلٍ
في مُستوى المُـهورْ
وعن تدنّي جودةِ الخُمـورِ .. والبخـورِ .. والعطـورْ
وآخرِ الصَّيْحـَاتِ في حدائقِ القُصـورْ.
كان الحديثُ ذا شُجـونْ
فَطَـالَ آخرَ الفنـونْ
وآخر "الأشرطةِ" التي تُـجَنِّنُ الجُنـونْ !
وكان للسياسةِ "الرسميةِ" الْمُبَسْـتَـرَهْ
حِصَّتُـهَا في الجَلْسَـةِ النِّسْوِيَّـة الْمُصَـَّغَـَرهْ .
بضـعُ نســاءٍ
طـَائلاتِ الطَّرْفِ والكلامْ
نَـظَّـرْنَ للقماشِ والسَّـلامْ
وَطِـرْنَ يَعْتَـِكفْنَ في عواصمِ الحَمـامْ
ويَعْـَتصِـمْنَ فوقَ بَاخـِرَهْ
حتى سُـقوطِ كلِّ أشـكالِ المؤامَـرَهْ
ووقفِ شَلاَّلِ الدمـاءِ في شـوارعِ الخليــلْ
وفي جِنـينَ في الجليــلْ
وفي المناطقِ الْمُجَـاوِرَهْ !
بِضْـعُ نسـاءٍ من طُيُـورِنا المهاجِـرَهْ
أَرْبـَـكْنَ قـاعة المُـغادرهْ
وطِـرْنَ خَـلْفَ أغنيـاتِنا وأمنيـاتِنا المُحاصَـرهْ
وهـنَّ يَحْتَـرِقْنَ شـوقاً للمُـغامرهْ .
تَرَكْنَ خَلْفَهُنَّ في البيـوتْ :
المالَ والبنـينَ واليُـخُوتْ
والعـطرَ "والتُّـخُوتْ"
وكـنَّ يَـرتـدينَ أفـخرَ الفِـراءِ
كُنَّ يرتـدينَ طـائِـرَهْ
غادرنَنَـا بِخِطَّـةٍ مُحْكَمَـةٍ مُدَبـَّـرَهْ
غـادرنَ في مُهِمَّـةٍ عاصِفـةٍ مُثَـوَّرهْ
ولن يَـعُدنَ قبـلَ أن يُـطْفِئْـنَ نـارَهُـنَّ
في العـواصمِ الثلجيــة "المُـستَعْمَـرَهْ"
وكلَّ يـومٍ يَفْتَتِحْن النشــرةَ الْمُصـَـوَّرهْ!
(2)
بِضْـعُ نســاءٍ فـي بـلادي
كُـنَّ في الحصــارِ يَمْتَشِقْـنَ رايـةَ المُـظاهَـرَهْ
يَرْصُفْـنَ دَرْبَ الشَّمــسِ
بالحـجـارةِ الْمُنَــوَّرَهْ
ويَعْـَتلِينَ صهـوةً جامِحَـةً بِحَـنْجَـرَهْ .
سِـربٌ من الحمـامِ كانَ يَنْهَـبُ الرَّصَاصَ،
والرصـاصُ ليـسَ يُخْـِطئُ الصـدورْ
وليسَ بينـَهُ وبينـهنَّ غيـرُ بَسْـمَةِ القبـورْ
ورِعْشَــةٌ فـاضِحـَةٌ على أصابعِ الجُنُـودِ
والبنـادقِ المُعَفـَّـرَهْ .
بضـعُ نســاءٍ
قيـل : مِنْ مجتـمعِ الصِّغَــارْ
نَجَحْـنَ في خَلْخَلَــةِ الحِصـارْ
شَـرِبـْنَ نَخْبَنَـا على بَوَّابَـةِ النهـارْ
وهـنَّ يمتـشقْـنَ رايـةَ المُـظـاهـرهْ.
بضـع نسـاءٍ في بـلادي
كـنَّ في الحـصـارْ
تَرَكْـنَ خَلْفَهُـنَّ في البيـوتْ :
الخـوفَ والسُّـكـوتْ
وكـلَّ شـيءٍ شِئْـنَ أن يَمُـوتْ
وكـنَّ يَرتَـدينَ أنْضَـرَ العــزاءِ،
كـنَّ يَرتـديـنَ ظَــاهِـرَهْ
خَرَجْـنَ في مَفْـَرزَةٍ غـاضِبَـةٍ مُـزَمْجِـرَهْ
ولـن يَعُـدْنَ قبـلَ أنْ يَضَعْـنَ في المَـدارْ
كُـوفِيَّّـةً مُظَـفـَّـرهْ
وقبـلَ أن يُـطْفِـئْنَ بالدِّمـاءِ نارَ مَجْـزَرَهْ
وكـل يـومٍ يَقْـَتحِمْـنَ شَـفْرَةَ المـجنـزَرَهْ
ويقـتـحمْنَ صَمْتَنا ...
في النَّشْـــرةِ المبتــورةِ المُــزوَّره !
***
يا ربُّ :
مـا مِـن اعتـراضٍ أو مُحَـاوَرَهْ
مـا مِـنْ جـِــدالْ
لكنـَّــهُ الســـؤالْ :
مَـنْ قـال إنـه سَتَلْتـقي الميــاهُ والدِّمَـاءُ
- فـي غَـــدٍ -
فـي رُقْـــعَـةٍ مُـحـرَّرهْ ؟
مَـنْ قــال سـوف تـلتـقي ،
حتـى ولَــوْ ....
فـي مَـقـبَــــرَه ؟!!