أصوات من وحي الانتفاضة - يوسف الديك

-1 العاشق
لو أدركتُم يوماً
سراً يكمنُ في شفتيها صامتةً
وبحاراً تسجدُ في عَيْنَيها خاشعةً
لو أن نوارس عمري
تسكنُكم
في السابعةِ صباحاً حين تمرُّ بدربي
وفي الثامنة مساءً حينَ تعودُ لِقلبي
لوقفتم في قارعةِ العمرِ
تُصلُّون لمطرٍ يسَّاقطُ
من بينِ أصابعها
عَطِراً، نَضِراً، عبقاً
مبتعداً في رحمِ الأرضِ
صغارُ نجومٍ تفتحُ عينَيها
في صحراءٍ... عاريةٍ
ينبعثُ الوجدُ نبيذاً
في أكوابِ العطشى
تَنزّونَ شفافيةً
تنغمِسونَ برائحةِ الحلمِ الورديِّ
بصمتٍ مُزهر
تِلْكُمْ... من أهوى!!
******
-2 الفنان
الريشةُ...
ألوانُ الزيتِ
خشبُ الزيتونِ
أصابعُ كَفِّي
الآن سأخلقُ من عبثِ اللحظاتِ الميْتَةِ
أرضاً حُبلى
ستطلُّ امرأةٌ حافيةٌ
صافيةُ الوجه وشاسعةُ العينين كظبيٍ
بين قبورِ الأحياءِ... الشهداءِ
أَعزُّ الناسِ
شواهدها أطفالٌ
خلَعوا الخوفَ...
رموه بقصعةِ سجَّانٍ عربيٍّ
ومَضوْا
جيفارا معهُم
يبحثُ عن (كوبا) في العرّوبْ
الريشةُ تهتزُّ الآنَ
بكفِّي تمتزجُ الألوانْ
مَنْ مِنكم جرَّب يوماً، يرقبُ جسداً
يخرجُ حياً
من لوحةِ فَنَّانْ؟؟
خرج الجسد الحيّ أمامي حيا
واكتملَ الإنسانْ
طفلٌ في العاشرةِ صباحاً من عمرِه
ينهضْ
في كفِّهِ... حجرٌ ينبضْ
ما أروعَ... أن نثقَ بحجرٍ
سيعيدُ كرامةَ إنسانْ!!
******
-3 الشاعر
فرقٌ بينَ امرأةٍ حُبلى
في بيتِ الزوجيةِ شرعاً
وامرأةٍ فاجرْ
كالفرق تماماً
بين صراخ النخاسين
وصيحةِ شاعرْ!!
***
4-البرجوازي
مالِي.. ومالَكْ
دع عنكَ مالي
وخُذْ مني وعداً
ستكتبُ عني الصحافةُ
حين أُنيبُك في الموتِ عنِّي
وحين أجودُ عليكَ بمالِك
مالِي.. ومالكْ
دربُك ما كانَ يوماً ليصبحَ دربي
وليس الذي يحْتلُّ قلبَك
يَسْتَلُّ قَلْبي
لست أدينُ لربِّكَ
دعني... وربِّيْ
ومن كان فَرَّقَ بينَ الرخامِ
وبين الحجارةِ
قد كان فرَّق حالِي... وحالَكْ
فقل أيُّهَذا الفتي بغزةَ
مالِي... ومالكْ
******
-5 الراصد
ربيعاً يكونُ الطَّقسُ هذا اليومَ
البحرُ كشيخٍ هرِمٍ خاشِعْ
تحمل بين ثناياها النسماتُ العطرَ
الفرحَ بلُقيا العشاقِ
الموسيقى الحيةَ
همسٌ رائِعْ
هذا ما قالتهُ الشمسُ الطالعةُ
صبيحةَ هذا اليوم
فإِنْ صادَفكم لهبٌ في الطرقاتِ
هَجيرٌ
لا تعتقدوا أنَّا أخطأْنا الرصدَ
أو أنَّا قطَعْنا حبالَ الوُدِّ
ولكن
تحتَ رمالِ البحرِ
جذور الغضبِ
بذورِ النارِ الحيةِ... تَمْتَدُ
آنَ الموسمُ
كَبُرَ الحجَرُ
اشْتعلَ الطِّفلُ
فجاءَ الوَعدْ.