نبأ حرك آلاما ووجدا - إبراهيم الدَّبَّاغ

نبأ حرك آلاما ووجدا
في بقايا أنفس تحمل ادا

بين شك ويقين لم تجد
فيه من ميل إلى التفنيد بدا

لا تيه أو هي قد أدركت
وقعه في نزعه أخذا وردا

لا ظبا البيض ولا حز المدى
منه في تمزيقها أقطع حدا

حال ما بين فؤادي ونهى
ثائرا يختز في ما يلقى مجدا

نزل الأمر فهل أعددت صبرا
وطغى الحزن فهل مسيت جلدا

ما لنفسي من صديق كالأسى
يصدق الوعد ولا ينكث عهدا

قلت إذا لطف من أحلامه
وهنا أوسعت من يهواك صدا

رب ذكرى كلما شط النوى
برحها ينسيك أحبابا وعهدا

أحد الأمرين إما أنت خدني
مكرما أو لازما بي يتعدا

أو فراق وسلاف الموت أحلى
موردا لي منك أو أصدق ودا

فرمى السهم فاصمى وله
غرض الرامي ولي أن أتصدى

أي سهم مزق الموت به
أكبد أحرى وأي الناس أردى

يوم قالوا مات سعد ضعضعوا
أرسخ الاعلام والأوتاد هدا

وطغى الوادي نحيبا وهمى
غيث دمع أزعج الأفلاك رعدا

هزة في الشرق والغرب ضحى
لم تدع للشمس عند الصبح رأدا

جزع الشرق على الشمس أسى
خط للافاق للأنجم لحدا

أخذت عهدا مع النجم فما
ينجلي إن لم يجد في الأفق سعدا

أتراها في صعود أخذت
موثقا في المرتقى ألا تردى

كم تدهدى بين طيات الفضا
كالكرى والدهر باق لا يدهدى

قرأت من حكمت الغيب سطور
وانطوت في فطرة الخلق عبدا

لم يمت سعد ولكن هزة
غادرت خضراء وادى النيل جردا

لم يمت سعد ولكن ضربة
برءت من تهمة القتل عمدا

لم يمت سعد ولكن وثبة
مهدت في الخلد للراحل مهدا

لم يمت سعد ولكن حمرة
لمست جسم أبي الهول فقدا

حمرة إذ سودت بيض الدمى
أحرقت منها الشوى وجها وخدا

ويلة الموت الذي عاجله
مستبدا لم يصارع مستبدا

نجم سعد كلما قالوا خبا
في ثراه ملأ الآفاق وقدا

بعث التعليم روحا ويدا
أن خبا في حادث أوراه وندا

وحمي العدل خطيبا مدرها
عرف الواجب والحق فأدى

ونضاه فيصلا يسطع نورا
قاطع الضربات لا يهمل حا

ينسج الأبراد بردا للتقى
ضافي الذيل وللأوطان بردا

وبني الشورى دروعا سردة
بيد داود أو أبدع سردا

حاطها من عابث أن يأتمر
برداها بشبا الأقلام بردا

بدفاع يمل البيد رجالا
وهجوم يملأ البطحاء جردا

يركب الصعب إلى أمثاله
لا إلى الراحة إلا حين أودى

ترسل السهم ويلقى مثله
ليس بالكرار أن لم يلق ندا

لا أرى سعدا سوى أعماله
فانشدوا فيها إذا مصرا وسعدا

فارق الدنيا إلى منزلة
تتعالى كبرة عن أن تحدى

هبطت من أرفع فيها العلا
فهى أوجه من سما الأرض استردا

وتعالت نفسه في خلدها
وتعالى في الثرى جسما ولحدا

قدك يا دهر فكم أم لها
أمل نالته من عندك عندا

أنت للناس أب خير همو
مقرف من شرهم أخبث ولدا

من يقاضيك ومن لم يحتكم
لك يستعدى بك الخصم الألدا

دورة الأرض على أقطابها
كالرحى طحنا وكالمنجل حصدا

تتذى منا رفاقا ودما
لا يزال الدهر منها يتردى

أضمرت كيدا فما تقنع أخذا
من أعاليها ولا تقبل ردا

أسرعت في سيرها سعدا ونحسا
ليتها دارت بنا عكسا وطردا

ما عليها لو ونت فاستروحت
حيلة أن يسترد الشرق سعدا

سرحة الوادي التي من أمها
مستظللا أم بعد ألغى رشدا

هبطت من جنة الخلد على
شاطيء النيل فطابت فيه خلدا

ألبستها الشمس من آصالها
حللا فانبسطت بانا ورندا

سلب الإكليل منها زهرة
يتباهى والدراري منه حردى

يصبح الناس جموعا حولها
أو فرادي يسبق الأشياخ مردا

يتساقون الأحاديث التي
هي كالراح وأحلى منه وردا

أنعش الناس مراح عندها
وهداهم في دياجي الظلم مغدى

هي ظل لندامي روضة
نبتت شوكا على العادي ووردا

كان ظلا كلما امتد له
أمل في الشدة النكراء مدا

إن طغى في الشرق سيل جارف
في عوادي الغرب لاقى منه سدا

أطمع الغاصب في استعباده
أمته في كيدها الغاصب جدا

إن في الوادي خلايا نحلها
دوايا يقذف دون الصاب شهدا

جن باستقلاله واهتجاجه
حب سعد لا هوى هند وسعدى

كنت فيهم فيلقا في فيلق
قائدا للنصر قد أعددت جندا

كنت قسا في أياد ذائد
عن حمى الدستور والنيل المفدى

تبعث النور فتستعبد حرا
ضارى الوثبة أو تطلق عبدا

مصرت عدنان فيك مضرة
في نزار واصطفت منك معدا

فإذا شئت ملأت الأفق زهرا
وإذا شئت ملأت الأرض جندا

يا نجوم الأرض تبكي فلكا
كان فيها من نجوم الأفق أهدى

قد توارى فتوارت خلفه
لا نرى أو ان عين الشمس رمدا

وهوت يوم هوى فانكدرت
لم نجد من بعده سلوى فبعدا

كيف لا تقضي وقد قالوا قضى
وهو بالتيجان والأملاك يفدى

يا دموع الشرق فيضى انهرا
عند بحر لأنني جزرا ومدا

هل ترى الشرق وهل أدرك سرا
كان كالصارم إرهاقا وغمدا

راشدا أو ناهضا أو قاصرا
عند رأى الغرب لا يبلغ رشدا

إذ توارى يوم نفي ما توارى
وتبدى يوم عود ما تبدى

يحتبى كالليث أني يحتبى
في عرين البيت يستقبل أسدا

يبتغي حرية المشرق طرا
من مغير لازم غال تعدى

مصر يا مصر وما أحلاك ذكرى
عند طير الروض والأدزهار تندى

ما على قومك ان صار لهم
سيد الأحرار من أجلك عبدا

صفحة التاريخ والمجد التي
سكر الدهر بها وصفا وحمدا

تصفع القائل عنها مرجفا
اننا نعبد بعد الله فردا

وسلوا التاريخ والحق الذي
أعطيت أو أخذت في الحق جهدا

بالغوا في طمسها نشرا وطيبا
وابتغوا من قتلها حلا وعقدا

ولدتها حرة وثابتة
بوأتها عند بيض الهند مهدا

ألزمتها الحق والدين الذي
لم يبح للحر أن يرتد عبدا

يا صروحاً أخذ العز سنا
بالعوالي والصفاح السمر عهدا

كم فقدنا منك في هذا الحمى
كابرا عز على العلياء فقدا

وبكينا خادرا مستوثبا
فيك يوم الحرب كالضاري وأعدى

غاب سعد فملأوا الغاب ظبى
واملأوا الأدغال أشبالا وأسدا

يا شباب النيل يا أسد الشرى
العوالي لم تكن تجلى لتصدى

أقسموا أن تقتدوا أو تأخذوا
بالذي أبقاه من دين ومبدا

خير يومى مصر يوم أنجبت
بطلا يبنى لها عزا ومجدا

عبرة الزائر قبرا سنة
بعده قد أصبحت فرضا يؤدى

طوفوا من حوله واستلموا
ركنه ثم أخشعوا وفدا فوفدا

والزموا الصمت عسى أن تسمعوا
حكمة من صمته نعشا ولحدا